أخبار أبي صدقة
  يذكر للرشيد أسباب إلحاحه في المسألة
  أخبرني رضوان بن أحمد، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، قال: حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ، قال:
  كان أبو صدقة أسأل خلق اللَّه وألحّهم، فقال له الرشيد: ويلك ما أكثر سؤالك! / فقال: وما يمنعني من ذلك، واسمي مسكين، وكنيتي أبو صدقة، واسم ابني صدقة، وكانت أمي تلقّب فاقة، واسم أبي صدقة، فمن أحق مني بهذا؟.
  كثرة عبث الرشيد به
  وكان الرشيد يعبث به غبثا شديدا، فقال ذات يوم لمسرور: قل لابن جامع وإبراهيم الموصلي وزبير بن دحمان وزلزل وبرصوصا وابن أبي مريم المديني: إذا رأيتموني قد طابت نفسي، فليسألني كل واحد منهم حاجة، مقدارها مقدار صلته. وذكر لكل واحد منهم مقدار(١) ذلك، وأمرهم أن يكتموا أمرهم عن أبي صدقة، فقال لهم مسرور ما أمره به، ثم أذن لأبي صدقة قبل إذنه لهم، فلما جلس قال له: يا أبا صدقة، قد أضجرتني بكثرة مسألتك، وأنا في هذا اليوم ضجر، وقد أحببت أن أتفرّج وأفرح، ولست آمن أن تنغّص عليّ مجلسي بمسألتك، فإمّا أن أعفيتني من أن تسألني اليوم حاجة وإلا فانصرف. فقال له: يا سيدي لست أسألك في هذا اليوم، ولا إلى شهر حاجة، فقال له الرشيد: أما إذا شرطت لي هذا على نفسك، فقد اشتريت منك حوائجك بخمسمائة دينار، وها هي ذه فخذها هنيئة معجلة، فإن سألتني شيئا بعدها في هذا اليوم، فلا لوم عليّ إن لم أصلك سنة بشيء. فقال له: نعم، وسنتين. فقال له الرشيد: زدني في الوثيقة، فقال: قد جعلت أمر أمّ صدقة في يدك، فطلَّقها متى شئت، إن شئت واحدة، وإن شئت ألفا إن سألتك في يومي هذا حاجة. وأشهد(٢) اللَّه ومن حضر على ذلك، فدفع إليه المال، ثم أذن للجلساء والمغنين فحضروا، وشرب القوم.
  فلما طابت نفس الرشيد قال له ابن جامع: يا أمير المؤمنين، قد نلت منك ما لم تبلغه أمنيّتي، وكثر إحسانك إليّ حتى كبتّ أعدائي وقتلتهم. وليست لي بمكة دار تشبه / حالي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بمال أبني به دارا، وأفرشها بباقيه لأفقأ عيون أعدائي وأزهق نفوسهم - فعل، فقال: وكم قدّرت لذلك؟ قال: أربعة آلاف دينار، فأمر له بها. ثم قام إبراهيم الموصليّ فقال له: قد ظهرت نعمتك عليّ وعلى أكابر ولدي، وفي أصاغرهم من قد بلغ، وأريد تزويجه، ومن أصاغرهم من أحتاج إلى أن أطهره، ومنهم صغار أحتاج إلى أن أتخذ لهم خدما، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحسن معونتي على ذلك فعل، فأمر له بمثل ما أمر لابن جامع، وجعل كلّ(٣) واحد منهم يقوم فيقول من الثناء ما يحضره، ويسأل حاجة على قدر جائزته، وأبو صدقة ينظر إليهم وإلى الأموال تفرّق يمينا وشمالا، فوثب على رجليه قائما، وقال للرشيد: يا سيدي، أقلني، أقال اللَّه عثرتك! فقال له الرشيد: لا أفعل، فجعل يستحلفه ويضطرب(٤) ويلحّ، والرشيد يضحك ويقول: ما إلى ذلك سبيل، الشرط أملك.
(١) في التجريد: «مبلغ».
(٢) ف: «وأشهدت اللَّه».
(٣) كذا في التجريد، وفي س: «لكل»، وهو تحريف.
(٤) كذا في التجريد، وفي س: «يضرب»، وهو تحريف.