كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار فضل الشاعرة

صفحة 204 - الجزء 19

  فسكرت ونمت، وجاءتني للموعد، فحركتني بكل ما ينتبه به النائم من قرص وتحريك وغمز وكلام، فلم أنتبه. فلما علمت أنه لا حيلة لها فيّ كتبت رقعة ووضعتها على مخدّتي، فانتبهت فقرأتها، فإذا فيها:

  /

  قد بدا شبهك يا مو ... لأي يحدو بالظلام

  قم بنا نقض لبانا ... ت التزام والتثام

  قبل أن تفضحنا عو ... دة أرواح النّيام

  تهاجي جارية هشام المكفوف

  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، قال:

  كانت فضل الشاعرة تهاجي خنساء جارية هشام المكفوف، وكانت شاعرة، وكان أبو شبل عاصم⁣(⁣١) بن وهب يعاون فضلا عليها، ويهجوها مع فضل. وكان القصيديّ والحفصي⁣(⁣٢) يعينان خنساء على فضل وأبي شبل، فقال أبو شبل على لسان فضل:

  خنساء طيري بجناحين ... أصبحت معشوقة نذلين

  من كان يهوى عاشقا واحدا ... فأنت تهوين عشيقين

  هذا القصيديّ وهذا الفتى ألح ... فصيّ قد زاراك فردين

  نعمت من هذا وهذا كما ... ينعم خنزير بحشّين⁣(⁣٣)

  فقالت خنساء تجيبها:

  ماذا مقال لك يا فضل بل ... مقال خنزيرين فردين

  يكنى أبا الشبل ولو أبصرت ... عيناه شبلا راث⁣(⁣٤) كرّين⁣(⁣٥)

  وقالت فضل في خنساء:

  /

  إنّ خنساء لا جعلت فداها ... اشتراها الكسّار من مولاها

  ولها نكهة يقول محاذي ... ها أهذا حديثها أم فساها!

  وقالت خنساء في فضل وأبي شبل:

  تقول له فضل إذا ما تخوّفت ... ركوب قبيح الذّلّ في طلب الوصل

  حر امّ فتى لم يلق في الحب ذلة ... فقلت لها لا بل حر امّ أبي الشبل

  وقالت خنساء تهجو أبا شبل:

  ما ينقضي فكري وطول تعجّبي ... من نعجة تكنى أبا الشبل


(١) ف، مم: «عصم بن وهب».

(٢) ف، ما: «الصلحي».

(٣) الحشان: مثنى حشن، وهو البستان، ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين.

(٤) يقال: راث الفرس، كما يقال: تغوط الإنسان.

(٥) الكران: مثنى كر، بالضم. وهو مكيال، قيل: إنه أربعون إردبا.