كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار فضل الشاعرة

صفحة 206 - الجزء 19

  خرجت قبيحة⁣(⁣١) إلى المتوكل يوم نيروز وبيدها كأس بلَّور بشراب صاف، فقال لها: ما هذا فديتك؟ قالت:

  هديّتي لك في هذا اليوم، عرّفك اللَّه بركته! فأخذه من يدها، وإذا على خدّها: جعفر، مكتوبا⁣(⁣٢) بالمسك، فشرب الكأس وقبّل خدها، وكانت فضل الشاعرة واقفة على رأسه فقالت:

  صوت

  وكاتبة بالمسك في الخدّ جعفرا ... بنفسي سواد المسك من حيث أثّرا

  لئن أثّرت بالمسك سطرا⁣(⁣٣) بخدّها ... لقد أودعت قلبي من الحزن⁣(⁣٤) أسطرا

  فيا من مناها في السريرة جعفر ... سقى اللَّه من سقيا ثناياك جعفرا

  الغناء لعريب، خفيف رمل. قال: وأمر عريب فغنّت فيه. وقالت فضل في ذلك أيضا:

  سلافة كالقمر الباهر ... في قدح كالكوكب الزاهر

  يديرها خشف⁣(⁣٥) كبدر الدجى ... فوق قضيب أهيف ناضر

  على فتى أروع من هاشم ... مثل الحسام المرهف الباتر

  وقد رويت الأبيات الأول لمحبوبة شاعرة المتوكل، ولها أخبار وأشعار كثيرة قد ذكرت بعضها في موضع آخر من هذا الكتاب.

  تتشوق إلى سعيد بن حميد

  أخبرني محمد بن خلف، قال: أخبرني أبو الفضل⁣(⁣٦) المروروذيّ، قال: كتبت فضل الشاعرة إلى سعيد بن حميد:

  بثثت هواك في بدني وروحي ... فألَّف فيهما طمعا بياس

  فأجابها سعيد في رقعتها:

  كفانا اللَّه شرّ اليأس إني ... لبغض اليأس أبغض كل آسى

  تميل إلى بنان ويفتر ما بينها وبين سعيد بن حميد

  حدّثني عمّي، قال: حدّثني ابن أبي المدور الوراق، قال:

  كنت عند سعيد بن حميد، وكان قد ابتدأ ما بينه وبين فضل الشاعرة يتشعّب، وقد بلغه ميلها إلى بنان وهو بين المصدق والمكذب بذلك، فأقبل على صديق له فقال: أصبحت واللَّه من أمر فضل في غرور، أخادع نفسي بتكذيب


(١) قبيحة: اسم جارية.

(٢) ف: «وكان على خدها مكتوب جعفرا بنفسك».

(٣) كذا في المختار، وفي س: «سكرا»، وهو تحريف.

(٤) ف، ما: «من الحب».

(٥) الخشف، مثلثة: ولد الظبي أول ما يولد، أو أول ما يمشي.

(٦) ف، ما: «الفضل».