أخبار أبي نواس وجنان خاصة
  أنّ محمد بن حفص بن عمر التميميّ - وهو أبو ابن عائشة - انصرف من المسجد وهو يتولَّى القضاء، فرأى أبا نواس قد خلا بامرأة يكلَّمها. وقال أحمد بن عمير في خبره: وكانت المرأة قد جاءته برسالة جنان جارية عمارة امرأة عبد الوهاب بن عبد المجيد، فمرّ به عمر بن عثمان التيميّ وهو قاضي البصرة - هكذا ذكر أحمد بن عمير وحده - وذكر الباقون جميعا أنه محمد بن حفص.
  قال الجمّاز: وكانت عليه ثياب بياض، وعلى رأسه قلنسوة مضرّبة(١) فقال له: اتّق اللَّه، قال: إنها حرمتي، قال: فصنها عن هذا الموضع. وانصرف عنه، فكتب إليه أبو نواس:
  صوت
  إنّ الَّتي أبصرتها ... بكرا(٢) أكلَّمها رسول
  / أدّت إليّ رسالة ... كادت لها نفسي تسيل
  / من ساحر العينين ... يجذب خصره ردف ثقيل
  متقلَّد قوس(٣) الصّبا ... يرمي وليس له رسيل(٤)
  فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمّع(٥) ما تقول
  لرأيت ما استقبحت من ... أمري هو الأمر الجميل
  في هذه الأبيات لجنان من الرمل وخفيفه، كلاهما لأبي العبيس بن حمدون.
  قال بن عمير: ثم وجّه بها فألقيت في الرّقاع بين يدي القاضي فلما رآها ضحك وقال إن كانت رسولا فلا بأس.
  قال ابن عائشة في خبره: فجاءني برقعة فيها هذه الأبيات، وقال لي: ادفعها إلى أبيك، فأوصلتها إليه، ووضعتها بين يديه، فلما قرأها ضحك، وقال: قل له: إني لا أتعرّض للشعراء.
  من شعره يسأل عنها وهي في حكمان:
  حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد قال:
  كان أبو عثمان أخا مولى جنان، وكان مولاها أبو ميّة زوج عمارة وهي مولاتها، وكانت له بحكمان(٦) ضيعة كان ينزلها هو وابن عمّ له يقال له: أبو ميّة، فقال أبو نواس فيه قوله:
(١) مضربة، من ضرب النجاد المضربة: أي خاطها.
(٢) بكرا، أي لأول مرة.
(٣) في م، أ: «سيف».
(٤) الرسيل: الموافق لك في النضال.
(٥) مد: «لتسمع» تحريف.
(٦) حكمان: ضيعة بالبصرة لبني عبد الوهاب الثقفيين موالى جنان، سميت بالحكم بن العاص الثقفي. وهذا اصطلاح لأهل البصرة، إذا سموا ضيعة باسم زادوا عليه ألفا ونونا، حتى سموا عبد اللان في قرية سميت بعبد اللَّه. وحكمان بالتحريك فيما يقول ياقوت، وكسلمان فيما يقول صاحب «القاموس».