أخبار أبي نواس وجنان خاصة
  أخبرني بذلك الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني بعض الصيارف بالكرخ، وسماه، قال:
  كان حارس درب عون(١) يقال له: المبارك، وكان يلبس ثيابا نظيفة سريّة، ويركب حمارا، فيطوف عليه السوق بالليل ويكريه بالنهار، فإذا رآه من لا يعرفه ظنّ أنه من بعض التجار، وكان يصل إليه في كل شهر من السّوق ما يسعه ويفضل عنه، وكانت له بنت من أجمل النساء، فمات مبارك وحضره الناس، فلما أخرجت جنازته خرجت بنته هذه حاسرة بين يديه، فقال أبو نواس فيها:
  يا قمرا أبرزه مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
  وذكر الأبيات كلَّها.
  طلبت قطع صلته بها أياما ففعل:
  أخبرني محمد بن جعفر قال: حدّثني أحمد بن القاسم عن أبي هفّان عن الجمّاز واليؤيؤ / وأصحاب أبي نواس أنّ جنان وجّهت إليه: قد شهرتني، فاقطع زيارتك عنّي أياما لينقطع بعض القالة، ففعل، وكتب إليها:
  /
  إنّا اهتجرنا(٢) للناس إذ فطنوا ... وبيننا حين نلتقي حسن
  ندافع الأمر وهو مقتبل(٣) ... فشبّ حتى عليه قد مرنوا
  فليس يقذي عينا معاينة ... له وما إن تمجّه أذن
  ويح ثقيف ماذا يضرّهم ... أن كان لي في ديارهم سكن(٤)
  أريب ما بيننا الحديث فإن ... زدنا فزيدوا وما لذا ثمن
  يكتب إليها من بغداد شعرا:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني ابن أبي سعد قال: بلغني أنّ أبا نواس كتب إلى جنان من بغداد:
  كفى حزنا ألَّا أرى وجه حيلة ... أزور بها الأحباب في حكمان
  وأقسم لولا أن تنال معاشر ... جنانا بما لا أشتهي لجنان
  لأصبحت منها داني الدار لاصقا ... ولكنّ ما أخشى - فديت - عداني
  فواحزنا حزنا يؤدّي إلى الردى ... فأصبح مأثورا بكلّ لسان
  أراني انقضت أيام وصلي منكم ... وآذن فيكم بالوداع زماني
(١) ب، س: «عول».
(٢) اهتجرنا: تقاطعنا.
(٣) مقتبل: في مبتدئه.
(٤) السكن: كل ما يسكن إليه.