نسب ابن أبي عيينة وأخباره
  كان أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة يهوى فاطمة بنت عمر بن حفص الملقّب هزار مرد، وكانت امرأة نبيلة شريفة، وكان يخاف أهلها أن يذكرها تصريحا، ويرهب زوجها عيسى بن سليمان، فكان يقول الشعر في جارية لها يقال لها: دنيا، وكانت قيّمة دارها، ووالية أمورها كلَّها. وأنشدنا لابن أبي عيينة فيها، ويكنى باسم دنيا هذه:
  ما لقلبي أرقّ من كلّ قلب ... ولحبيّ أشدّ من كل حبّ!
  / ولدنيا على جنوني بدنيا ... أشتهي قربها وتكره قربي
  نزلت بي بلَّية من هواها ... والبلايا تكون من كلّ ضرب
  قل لدنيا إن لم تجبك لما بي ... رطبة من دموع عيني كتبي
  فعلام انتهرت باللَّه رسلي ... وتهددتهم بحبس وضرب(١)
  أيّ ذنب أذنبته ليت شعري ... كان هذا جزاءه أيّ ذنب؟
  أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثني محمد بن يزيد قال:
  كان أبو عيينة(٢) من أطبع الناس وأقربهم مأخذا، من غير أدب موصوف ولا رواية كثيرة، وكان يقرّب البعيد، ويحذف الفضول، ويقلّ التكلف. وكان أصغر من أخيه عبد اللَّه ومات قبله.
  وقيل لعبد اللَّه: أنت أشعر أم أخوك؟ فقال: لو كان له علمي لكان أشعر منّي، وكان يتعشق فاطمة بنت عمر بن حفص هزار مرد الَّتي تزوّجها عليّ بن سليمان، ويسرّ عشقها، ويلقّبها دنيا كتمانا لأمرها(٣). وكانت امرأة جليله(٤) نبيلة سريه من النساء، وكان أبوها من أشدّ الفرسان وشجعانهم، فذكر عيسى بن جعفر أن عيسى بن موسى قال للمهلَّب بن المغيرة بن المهلَّب: أكان يزيد بن خالد أشجع أم عمر بن حفص هزار مرد؟ فقال المهلَّب: لم أشهد من يزيد / ما شهدته من عمر بن حفص، وذلك أني رأيته يركض في طلب حمار وحشيّ حتى إذا حازاه جمع جراميزه(٥) وقفز، / فصار على ظهره، فقمص الحمار، وجعل عمر بن حفص يحزّ(٦) معرفته إما بسيف وإما بسكين معه حتى قتله.
  كان جنديا، ولم يكن يهوى فاطمة بل جارية لها:
  قال محمد بن يزيد: وحدّثت عن محمد بن المهلَّب أنه أنكر أن يكون أبو عيينة يهوى فاطمة، وقال: إنما كان جنديّا في عداد الشّطَّار(٧)، وكانت فاطمة من أنبل النساء وأسراهنّ، وإنما كان يتعشق جارية لها، وهذه الأبيات الَّتي فيها الغناء من قصيدة له جيدة مشهورة من شعره، يقولها في فاطمة هذه أو جاريتها، ويكنى عنها بدنيا، فمما إختير منها قوله:
(١) من م، مد، مو.
(٢) في م، أ، مو، مد: «ابن أبي عيينة».
(٣) في م، أ: «لأهلها».
(٤) في م، أ: «جميلة».
(٥) جراميزه: «أطرافه. وفي س. ب:» جراميزة «تحريف.
(٦) في م، أ: «يجز».
(٧) الشطار: جمع شاطر، وهو من أعيا أهله خبثا.