كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار دعبل بن علي ونسبه

صفحة 308 - الجزء 20

  ما شئت. فقال له يا أبا عليّ: أتقول لي هذا بعد ما مضى؟ فقال له: يا حبيبي لو أنّ رجلا ضرط سبعين ضرطة ما كان بمنكر أن يكون فيها دستنبوية⁣(⁣١) واحدة.

  لا يرى المأمون عجبا أن يهجوه:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمد بن حاتم المؤدّب / قال:

  قيل للمأمون: إن دعبل بن عليّ قد هجاك، فقال: وأيّ عجب في ذاك؟ هو يهجو / أبا عبّاد ولا يهجوني أنا! ومن أقدم على جنون أبي⁣(⁣٢) عباد أقدم على حلمي، ثم قال للجلساء: من كان منكم يحفظ شعره في أبي عبّاد فلينشدنيه، فأنشده بعضهم:

  أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبّره أبو عبّاد

  خرق على جلسائه فكأنهم ... حضروا لملحمة ويوم جلاد

  يسطو⁣(⁣٣) على كتابه بدواته ... فمضمّخ⁣(⁣٤) بدم ونضح مداد

  وكأنه من دير هزقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد⁣(⁣٥)

  فاشدد أمير المؤمنين وثاقه ... فأصحّ منه بقيّة الحداد

  قال: وكان بقية هذا مجنونا في المارستان، فضحك المأمون. وكان إذا نظر إلى أبي عبّاد يضحك، ويقول لمن يقرب منه: واللَّه ما كذب دعبل في قوله.

  حدّثني جحظة عن ميمون بن هارون فذكر مثله أو قريبا منه.

  يزعم أن رجلا من الجن استنشده قصيدة مدارس آيات خلت:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار ومحمد بن أحمد الحكيم قالا: حدثنا أنس ابن عبد اللَّه النبهانيّ قال: حدّثني عليّ بن المنذر قال: حدّثني عبد اللَّه بن سعيد الأشقريّ قال: حدّثني دعبل بن عليّ قال:

  لما هربت من الخليفة بتّ ليلة بنيسابور وحدي، وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبد اللَّه بن طاهر في تلك الليلة، فإني لفي ذلك إذ سمعت والباب مردود عليّ: السّلام عليكم ورحمة اللَّه، انج يرحمك اللَّه، فاقشعرّ بدني من ذلك، ونالني أمر عظيم، / فقال لي: لا ترع عافاك اللَّه؛ فإني رجل من إخوانك من الجن من ساكني اليمن طرأ إلينا طارئ من أهل العراق فأنشدنا قصيدتك:

  مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات

  فأحببت أن أسمعها منك، قال فأنشدته إياها، فبكى حتى خرّ، ثم قال: رحمك اللَّه! ألا أحدثك حديثا يزيد في نيّتك ويعينك على التمسك بمذهبك؟ قلت: بلى قال: مكثت حينا أسمع بذكر جعفر بن محمد #،


(١) دستنبوية: نوع من البطيخ الأصفر.

(٢) في س: «أبا»، تحريف.

(٣) س: «بسطوا»، تحريف.

(٤) س: «فمضخ». تحريف.

(٥) راجع حواشي الصفحة ١٢٢ من طبعة دار الكتب.