أخبار ابن ميادة ونسبه
  ميّادة، وخرجت أعدو في أثر الرّمّاح، وتبعتنا ترمينا بالحجارة وتفتري علينا حتى فتناها.
  أصل أمه ميادة وقصة تزوجها أبرد
  أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى / قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو داود الفزاريّ: أنّ ميّادة كانت أمة لرجل من كلب زوجة لعبد له يقال له نهبل، / فاشتراها بنو ثوبان(١) بن سراقة فأقبلوا بها من الشأم، فلما قدموا وصبّحوا(٢) بها المليحة (وهي ماءة لبني سلمى ورحل بن(٣) ظالم بن جذيمة) نظر رجل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها، فقال: ما هذه؟ قالوا: اشتراها بنو ثوبان(١)؛ فقال: وأبيكم إنّها لميادة تميد وتميل على بعيرها، فغلب عليها «ميّادة». وكان أبرد ضلَّة من الضلل(٤) ورثّة(٥) من الرّثث جلفا لا تخلص إحدى يديه من الأخرى، يرعى على(٦) إخوته وأهله، وكانت إخوته كلهم ظرفاء غيره. فأرسلوا ميّادة ترعى الإبل معه فوقع عليها، فلم يشعروا بها إلَّا قد أقعسها(٧) بطنها، فقالوا لها: لمن ما في بطنك؟ قالت: لأبرد، وسألوه فجعل يسكت ولا يجيبهم، حتّى رمت بالرّمّاح فرأوا غلاما فدغما(٨) نجيبا، فأقرّ به أبرد. وقالت بنو سلمى: ويلكم يا بني ثوبان(١)! ابتطنوه(٩) فلعله ينجب؛ فقالوا: واللَّه ما له غير ميّادة، فبنوا لها بيتا وأقعدوها فيه، فجاءت بعد الرمّاح بثوبان(١) وخليل وبشير بني أبرد، وكانت أوّل نسائه وآخرهنّ، وكانت امرأة صدق، ما رميت بشيء ولا سبّت إلا بنهبل. قال عبد الرحمن بن جهيم الأسديّ في هجائه ابن ميّادة:
  هجاه عبد الرحمن بن جهيم الأسدي
  لعمري لئن شابت حليلة نهبل ... لبئس شباب المرء كان(١٠) شبابها
  ولم تدر حمراء العجان(١١) انهبل ... أبوه أم المرّيّ تبّ تبابها
  هجا بني مازن فردّ عليه رجل منهم
  قال أبو داود: وكان ابن ميّادة هجا بني مازن وفزارة بن ذبيان، وذلك أنهم ظلموا بني الصارد - والصارد من مرّة - فأخذوا مالهم وغلبوهم عليه حتّى الساعة؛ فقال ابن ميّادة:
(١) في ط: «ثريان».
(٢) صبحوا بها المليحة: أتوها صباحا.
(٣) في ط: «أبني».
(٤) كذا في ط. والضلة: الذي لا خير فيه. وسائر النسخ: «ضلة من الضلال».
(٥) الرثة: خشارة الناس (سفلتهم وضعفاؤهم، شبهوا بالرديء من المتاع.
(٦) أي يرعى لهم ماشيتهم.
(٧) كذا في أغلب النسخ. وفيء، ط: «أقسع» وفي أ، م «أقشع» وكلاهما تحريف. ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا أقعس متعدّيا، ولعله يريد أن بطنها لنتوئه بالحمل جعلها كالقعساء، وهي من يخرج صدرها ويدخل ظهرها، ومنه قولهم للقوس ينتأ بطنها ويدخل ظهرها: قعساء.
(٨) الفدغم: الجسم الطويل في عظم.
(٩) ابتطنوه: أي انتجوه واتخذوا منه ولدا، تقول: ابتطنت الناقة عشرة أبطن أي نتجتها عشر مرات.
(١٠) كان هنا زائدة وهي تزاد في هذا الموضع كقوله:
ولبست سربال الشباب أزورها ... ولنعم كان شبيبة المحتال
(١١) العجان: الدبر، وقيل هو ما بين القبل والدبر. وهو سب كان يجري على ألسنة العرب يقال للأعجميّ: يا بن حمراء العجان.