كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار جعيفران ونسبه

صفحة 342 - الجزء 20

  فهو غريب بين هذا⁣(⁣١) الناس

  حتى أصبح وهو يرددها، ثم سقط كأنه بقلة ذابلة.

  يستجيب لنظم بيت بنصف درهم:

  قال علي: وحدّثني عليّ بن رستم النحوي، قال: حدّثني سلمة بن محارب قال:

  / مررت ببغداد، فرأيت قوما مجتمعين على رجل، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: جعيفران المجنون، فقلت: قل بيتا بنصف درهم. قال: هاته، فأعطيته، فقال:

  لجّ ذا الهمّ واعتلج⁣(⁣٢) ... كلّ همّ إلى فرج

  ثم قال: زد إن شئت حتى أزيدك.

  يصيح الصبيان خلفه وهو عريان، وينشد شعرا في جناية الفقر عليه:

  قال عليّ: وحدّثني عبد اللَّه بن عثمان، عن أبيه قال:

  غاب عنا جعيفران أياما ثم جاءنا والصبيان يشدون خلفه وهو عريان وهم يصيحون به: يا جعيفران يا خرا في الدار. فلما بلغ إليّ وقف، وتفرّقوا عنه فقال: يا أبا عبد اللَّه:

  رأيت الناس يدعونني ... بمجنون على حالي

  / وما بي اليوم من جنّ ... ولا وسواس بلبال

  ولكن قولهم هذا ... لإفلاسي وإقلالي

  ولو كنت أخا وفر ... رخيّا ناعم البال

  رأوني حسن العقل ... أحلّ المنزل العالي

  وما ذاك على خبر ... ولكن هيبة المال

  يدخله سيد داره فيطعمه ويسقيه:

  قال: فأدخلته منزلي، فأكل، وسقيته أقداحا، ثم قلت له: تقدر على أن تغيّر تلك القافية؟ فقال: نعم، ثم قال بديهة غير مفكر ولا متوقف:

  رأيت الناس يرمون ... ي أحيانا بوسواس

  ومن يضبط يا صاح ... مقال الناس في الناس؟

  فدع ما قاله الناس ... ونازع صفوة الكاس

  فتى حرّا صحيح ال ... ودّ ذا برّ وإيناس


(١) س، ب: «هذي».

(٢) اعتلج: كثر والتطم.