وممن غني في شعرة من ولد أبي محمد اليزيدي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد
  يا قصر ذا النّخلات من بارا(١) ... إني حللت إليك من قارا
  أبصرت أشجارا على نهر ... فذكرت أشجارا وأنهارا
  للَّه أيام نعمت بها ... بالقفص(٢) أحيانا وفي بارا
  إذ لا أزال أزور غانية ... ألهو بها وأزور خمّارا
  لا أستجيب لمن دعا لهدى ... وأجيب شطَّارا ودعّارا
  أعصي النصيح وكلّ عاذلة ... وأطيع أوتارا ومزمارا
  قال: فغضب المأمون، وقال: أنا في وجه عدو، وأحض الناس على الغزو، وأنت تذكَّرهم نزهة بغداد؟
  فقلت: الشيء بتمامه، ثم قلت:
  فصحوت بالمأمون عن سكري ... ورأيت خير الأمر ما اختارا
  ورأيت طاعته مؤدية ... للفرض إعلانا وإسرارا
  فخلعت ثوب الهزل عن عنقي ... ورضيت دار الجدّ لي دارا
  وظللت معتصما بطاعته ... وجواره وكفى به جارا
  إن حلّ أرضا فهي لي وطن ... وأسير عنها حيثما سارا
  / فقال له يحيى بن أكثم: ما أحسن ما قال يا أمير المؤمنين! أخبر أنه كان في سكر وخسار، فترك ذلك وارعوى، وآثر طاعة خليفته، وعلم أن الرشد فيها؛ فسكن وأمسك.
  يجيز بيتا للمأمون في غلام المعتصم:
  حدّثني الصوليّ قال: حدّثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن أبيه قال:
  دعا المعتصم ذات يوم المأمون فجاءه، فأجلسه في بيت على سقفه جامات، فوقع ضوء الشمس من وراء تلك الجامات على وجه سيما التركي غلام المعتصم، وكان المعتصم أوجد الناس به، ولم يكن في عصره مثله، فصاح المأمون يا أحمد بن محمد اليزيديّ - وكان حاضرا - فقال: انظر إلى ضوء الشمس على وجه سيما التركي، أرأيت أحسن من هذا قط؟ وقد قلت:
  قد طلعت شمس على شمس ... وزالت الوحشة بالأنس
  أجز يا أحمد، فقلت:
  قد كنت أشنا الشمس فيما مضى ... فصرت أشتاق إلى الشمس
(١) في «معجم البلدان»: باري بكسر الراء: قرية من أعمال كلواذ من نواحي بغداد، وكان بها بساتين ومتنزهات، يتصدها أهل البطالة.
(٢) القفص، بالضم ثم بالسكون: قرية مشهورة بين بغداد وعكبرا، قريب من بغداد. وكانت من مواطن اللهو ومعاهد النزه ومجالس الفرح، ينسب إليها الخمور الجيدة والحانات الكثيرة.