أخبار خالد الكاتب
  / خلاف في معنى شعر، فقال له الحلبيّ: لا تعد طورك فأخرسك! فقال له خالد: لست هناك، ولا فيك موضع للهجاء، ولكن ستعلم أني أجعلك ضحكة سرّ من رأى. وكان الحلبيّ من أوسخ الناس، فجعل يهجو جبّته وثيابه وطيلسانه، فمن ذلك قوله:
  وشاعر ذي منطق رائق ... في جبّة كالعارض البارق
  قطعاء شلَّاء(١) رقاعيّة(٢) ... دهريّة مرقوعة(٣) العاتق
  قدّمها العري على نفسه ... لفضلها في القدر السابق(٤)
  وقوله:
  وشاعر مقدم له قوم ... ليس عليهم في نصره لوم
  قد ساعدوه في الجوع كلَّهم ... فقرى فكلّ غداؤه الصوم
  يأتيك في جبّة مرقعة ... أطول أعمار مثلها يوم
  وطيلسان كالآل يلبسه ... على قميص كأنه غيم
  من حلب في صميم سفلتها ... غناه فقر وعزّه ضيم
  قال: وقال فيه:
  تاه على ربّه فأفقره ... حتى رآه الغنى فأنكره
  فصار من طول حرفة(٥) علما ... يقذفه الرزق حيث أبصره
  يا حلبيّا قضى الإله له ... بالتّيه والفقر حين صوّره
  / لو خلطوه بالمسك(٦) وسّخه ... أو طرحوه في البحر كدّره
  يستنشده إبراهيم بن المهدي شعرا فيجيزه:
  حدّثني جحظة، قال: حدّثني خالد الكاتب، قال: دخلت على إبراهيم بن المهديّ فاستنشدني، فقلت: أيها الأمير، أنا غلام أقول في شجون نفسي، لا أكاد أمدح ولا أهجو، فقال: ذلك أشدّ لدواعي البلاء، فأنشدته:
  صوت
  عاتبت نفسي في هوا ... ك فلم أجدها تقبل
  وأطعت داعيا إليك ... ولم أطع من يعذل
(١) شلاء: وصف من الشلل، وهو أن يصيب الثوب سواد، ولا يذهب بغسله.
(٢) رقاعية: كثيرة الرقاع.
(٣) كذا في ف، هد. وفي ب، س: «مفرقة».
(٤) ورد هذا البيت زيادة من هد.
(٥) الحرفة، بضم الحاء وكسرها: الحرمان، وسوء الحظ.
(٦) ب، س: «الملك» تحريف.