أخبار رؤبة ونسبه
  بعث إليّ أبو مسلم لما أفضت الخلافة إلى بني هاشم، فلما دخلت عليه رأى منّي جزعا، فقال: اسكن فلا بأس عليك، ما هذا الجزع الَّذي ظهر منك؟ قلت أخافك، قال: ولم؟ قلت: لأنه بلغني أنك تقتل الناس، قال: إنما أقتل من يقاتلني ويريد قتلي، أفأنت منهم؟ قتل: لا، قال: فهل ترى بأسا؟ لا، فأقبل على جلسائه ضاحكا، ثم قال: أما ابن العجّاج فقد رخّص لنا، ثم قال: أنشدني قولك:
  /
  وقاتم الأعماق(١) خاوي المخترق(٢)
  فقلت: أو أنشدك - أصلحك اللَّه أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:
  قلت وقولي(٣) مستجدّ حوكا ... لبّيك إذ دعوتني لبّيكا
  أحمد ربّا ساقني إليكا
  قال: هات كلمتك الأولى، قلت: أو أنشدك أحسن منها؟ قال: هات، فأنشدته:
  ما زال بيني خندقا ويهدمّه ... ويستجيش عسكرا ويهزمه
  ومغنما يجمعه ويقسمه ... مروان لما أن تهاوت أنجمه ... وخانه في حكمه منجّمه
  قال: دع هذا وأنشدني: وقاتم الأعماق، قلت: أو أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:
  رفعت بيتا وخفضت بيتا ... وشدت ركن الدين إذ بنيتا
  في الأكرمين من قريش بيتا
  قال: هات ما سألتك عنه، فأنشدته:
  ما زال يأتي الأمر من أقطاره ... على اليمين وعلى يساره
  مشمّرا لا يصطلى بناره ... حتى أقرّ الملك في قراره ... وفرّ مروان على حماره
  قال: ويحك! هات ما دعوتك له وأمرت بإنشاده، ولا تنشد شيئا غيره، فأنشدته:
  /
  وقاتم الأعماق خاوي المخترق
  فلما صرت إلى قولي:
  يرمي الجلاميد بجلمود مدق
  قال: قاتلك اللَّه! لشدّ ما استصلبت الحافر! ثم قال: حسبك، أنا ذلك الجلمود المدقّ.
  قال: وجئ بمنديل فيه مال فوضع بين يديّ، فقال أبو مسلم: يا رؤبة، إنك أتيتنا والأموال مشفوهة(٤)، وإن
(١) الأعماق: جمع عمق، ويراد به هنا البعيد من أطراف المفاوز، مستعار من عمق البئر.
(٢) المخترق: موضع الاختراق، ويراد هنا، موضع قطع المفاوز.
(٣) ف «ونسجي».
(٤) مشفوهة: اشتد طلبها حتى نفذت.