كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار رؤبة ونسبه

صفحة 447 - الجزء 20

  بعث إليّ أبو مسلم لما أفضت الخلافة إلى بني هاشم، فلما دخلت عليه رأى منّي جزعا، فقال: اسكن فلا بأس عليك، ما هذا الجزع الَّذي ظهر منك؟ قلت أخافك، قال: ولم؟ قلت: لأنه بلغني أنك تقتل الناس، قال: إنما أقتل من يقاتلني ويريد قتلي، أفأنت منهم؟ قتل: لا، قال: فهل ترى بأسا؟ لا، فأقبل على جلسائه ضاحكا، ثم قال: أما ابن العجّاج فقد رخّص لنا، ثم قال: أنشدني قولك:

  /

  وقاتم الأعماق⁣(⁣١) خاوي المخترق⁣(⁣٢)

  فقلت: أو أنشدك - أصلحك اللَّه أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:

  قلت وقولي⁣(⁣٣) مستجدّ حوكا ... لبّيك إذ دعوتني لبّيكا

  أحمد ربّا ساقني إليكا

  قال: هات كلمتك الأولى، قلت: أو أنشدك أحسن منها؟ قال: هات، فأنشدته:

  ما زال بيني خندقا ويهدمّه ... ويستجيش عسكرا ويهزمه

  ومغنما يجمعه ويقسمه ... مروان لما أن تهاوت أنجمه ... وخانه في حكمه منجّمه

  قال: دع هذا وأنشدني: وقاتم الأعماق، قلت: أو أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:

  رفعت بيتا وخفضت بيتا ... وشدت ركن الدين إذ بنيتا

  في الأكرمين من قريش بيتا

  قال: هات ما سألتك عنه، فأنشدته:

  ما زال يأتي الأمر من أقطاره ... على اليمين وعلى يساره

  مشمّرا لا يصطلى بناره ... حتى أقرّ الملك في قراره ... وفرّ مروان على حماره

  قال: ويحك! هات ما دعوتك له وأمرت بإنشاده، ولا تنشد شيئا غيره، فأنشدته:

  /

  وقاتم الأعماق خاوي المخترق

  فلما صرت إلى قولي:

  يرمي الجلاميد بجلمود مدق

  قال: قاتلك اللَّه! لشدّ ما استصلبت الحافر! ثم قال: حسبك، أنا ذلك الجلمود المدقّ.

  قال: وجئ بمنديل فيه مال فوضع بين يديّ، فقال أبو مسلم: يا رؤبة، إنك أتيتنا والأموال مشفوهة⁣(⁣٤)، وإن


(١) الأعماق: جمع عمق، ويراد به هنا البعيد من أطراف المفاوز، مستعار من عمق البئر.

(٢) المخترق: موضع الاختراق، ويراد هنا، موضع قطع المفاوز.

(٣) ف «ونسجي».

(٤) مشفوهة: اشتد طلبها حتى نفذت.