أخبار السليك بن السلكة ونسبه
  / فلما وجد الشيخ مغترا(١) ختله(٢) من ورائه، فضربه فأطار رأسه، وصاح بالإبل فطردها، فلم يشعر صاحباه - وقد ساء ظنهما وتخوفا عليه - حتى إذا هما بالسليك يطردها فطرداها معه، وقال سليك في ذلك:
  وعاشية راحت بطانا ذعرتها ... بسوط(٣) قتيل وسطها يتسيف(٤)
  كأنّ عليه لون برد محبّر(٥) ... إذا ما أتاه صارخ(٦) يتلهف
  فبات لها(٧) أهل خلاء فناؤهم ... ومرّت بهم طير فلم يتعيفوا(٨)
  وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا(٩) أهلوّا وأوجفوا(١٠)
  وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنية أعرف(١١)
  وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرّني ... إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف(١٢)
  من حيله للغارة:
  وقال الأثرم في روايته عن أبي عبيدة:
  خرج سليك في الشهر الحرام حتى أتى عكاظ، فلما اجتمع الناس ألقى ثيابه، / ثم خرج متفضّلا مترجلا، فجعل يطوف الناس ويقول: من يصف لي منازل قومه، وأصف له منازل قومي؟ فلقيه قيس بن مكشوح المراديّ، فقال: أنا أصف لم منازل قومي، وصف لي منازل قومك، فتواقفا، وتعاهدا ألا يتكاذبا.
  فقال قيس بن المكشوح: خذ بين مهبّ الجنوب والصّبا، ثم سر حتى لا تدري أين ظل الشجرة؟ فإذا انقطعت المياه فسر أربعا حتى تبدو لك رملة وقفّ بينها(١٣) الطريق، فإنك ترد على قومي مراد وخثعم.
  فقال السّليك: خذ بين مطلع سهيل ويد الجوزاء اليسرى العاقد لها من أفق السماء، فثمّ منازل قومي بني سعد بن زيد مناة.
  فانطلق قيس إلى قومه فأخبرهم الخبر، فقال أبوه المكشوح: ثكلتك أمك. هل تدري من لقيت؟ قال: لقيت رجلا فضلا(١٤) كأنما خرج من أهله، فقال: هو واللَّه سليك بن سعد.
(١) كذا في ف، أي غافلا. وفي ب، س: «مفترا»، أي ساكنا مستقرا، من فتر الشيء تفتيرا سكنه.
(٢) كذا في ف، وفي ب، س: «استله من ردائه».
(٣) في «مجمع الأمثال» للميداني: «بصوت».
(٤) كذا في أ، ب، ج، أي يضرب بالسيف. وفي ف: «يتشرف» مبينا للمعلوم، من تشرف عليه بمعنى أشرف. وفي س: «ويتسيف»، تحريف.
(٥) محبر: موشى، يريد أن الدم بدت له عليه طرائق.
(٦) كذا في أ، ف، أي باك متحزن. وفي ب، س: «صارم» تحريف.
(٧) كذا في ف. وفي ب، س: «له».
(٨) لم يتعيفوا: لم يزجروها.
(٩) نشزا: مرتفعا من الأرض.
(١٠) أوجفوا: حملوها على الوجيف، وهو ضرب من السير.
(١١) أعرف: أصبر.
(١٢) أسدف: أظلمت عيناه من الجوع. وخص الصيف بالذكر، لكثرة اللبن فيه.
(١٣) في ف: «رملة وقف بينهما الطريق». والقف: ما ارتفع من الأرض.
(١٤) فضل: في ثواب واحد.