كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار السليك بن السلكة ونسبه

صفحة 466 - الجزء 20

  / فلما وجد الشيخ مغترا⁣(⁣١) ختله⁣(⁣٢) من ورائه، فضربه فأطار رأسه، وصاح بالإبل فطردها، فلم يشعر صاحباه - وقد ساء ظنهما وتخوفا عليه - حتى إذا هما بالسليك يطردها فطرداها معه، وقال سليك في ذلك:

  وعاشية راحت بطانا ذعرتها ... بسوط⁣(⁣٣) قتيل وسطها يتسيف⁣(⁣٤)

  كأنّ عليه لون برد محبّر⁣(⁣٥) ... إذا ما أتاه صارخ⁣(⁣٦) يتلهف

  فبات لها⁣(⁣٧) أهل خلاء فناؤهم ... ومرّت بهم طير فلم يتعيفوا⁣(⁣٨)

  وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا⁣(⁣٩) أهلوّا وأوجفوا⁣(⁣١٠)

  وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنية أعرف⁣(⁣١١)

  وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرّني ... إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف⁣(⁣١٢)

  من حيله للغارة:

  وقال الأثرم في روايته عن أبي عبيدة:

  خرج سليك في الشهر الحرام حتى أتى عكاظ، فلما اجتمع الناس ألقى ثيابه، / ثم خرج متفضّلا مترجلا، فجعل يطوف الناس ويقول: من يصف لي منازل قومه، وأصف له منازل قومي؟ فلقيه قيس بن مكشوح المراديّ، فقال: أنا أصف لم منازل قومي، وصف لي منازل قومك، فتواقفا، وتعاهدا ألا يتكاذبا.

  فقال قيس بن المكشوح: خذ بين مهبّ الجنوب والصّبا، ثم سر حتى لا تدري أين ظل الشجرة؟ فإذا انقطعت المياه فسر أربعا حتى تبدو لك رملة وقفّ بينها⁣(⁣١٣) الطريق، فإنك ترد على قومي مراد وخثعم.

  فقال السّليك: خذ بين مطلع سهيل ويد الجوزاء اليسرى العاقد لها من أفق السماء، فثمّ منازل قومي بني سعد بن زيد مناة.

  فانطلق قيس إلى قومه فأخبرهم الخبر، فقال أبوه المكشوح: ثكلتك أمك. هل تدري من لقيت؟ قال: لقيت رجلا فضلا⁣(⁣١٤) كأنما خرج من أهله، فقال: هو واللَّه سليك بن سعد.


(١) كذا في ف، أي غافلا. وفي ب، س: «مفترا»، أي ساكنا مستقرا، من فتر الشيء تفتيرا سكنه.

(٢) كذا في ف، وفي ب، س: «استله من ردائه».

(٣) في «مجمع الأمثال» للميداني: «بصوت».

(٤) كذا في أ، ب، ج، أي يضرب بالسيف. وفي ف: «يتشرف» مبينا للمعلوم، من تشرف عليه بمعنى أشرف. وفي س: «ويتسيف»، تحريف.

(٥) محبر: موشى، يريد أن الدم بدت له عليه طرائق.

(٦) كذا في أ، ف، أي باك متحزن. وفي ب، س: «صارم» تحريف.

(٧) كذا في ف. وفي ب، س: «له».

(٨) لم يتعيفوا: لم يزجروها.

(٩) نشزا: مرتفعا من الأرض.

(١٠) أوجفوا: حملوها على الوجيف، وهو ضرب من السير.

(١١) أعرف: أصبر.

(١٢) أسدف: أظلمت عيناه من الجوع. وخص الصيف بالذكر، لكثرة اللبن فيه.

(١٣) في ف: «رملة وقف بينهما الطريق». والقف: ما ارتفع من الأرض.

(١٤) فضل: في ثواب واحد.