أخبار السليك بن السلكة ونسبه
  يجعل لعبد الملك بن مويلك إتاوة ليجيره:
  قال أبو عبيدة وحدّثني المنتجع بن نبهان قال: كان السّليك يعطي عبد الملك بن مويلك الخثعميّ إتاوة من غنائمه على أن يجيره فيتجاوز بلاد خثعم إلى من وراءهم من أهل / اليمن، فيغير عليهم. فمرّ قافلا من غزوة فإذا بيت من خثعم أهله خلوف(١) وفيه امرأة شابة بضّة، فسألها عن الحي فأخبرته، فتسنمها، أي علاها، ثم جلس حجرة(٢)، ثم التقم المحجّة،(٣) فبادرت إلى الماء فأخبرت القوم، فركب أنس(٤) بن مدرك الخثعمي في طلبه فلحقه، فقتله. فقال عبد الملك: واللَّه لأقتلنّ قاتله أو ليدينّه، فقال أنس: واللَّه لا أدبه ولا كرامة، ولو طلب في ديته عقالا لما أعطيته. وقال في ذلك:
  إني وقتلي سليكا ثم أعقله ... كالثور يخضرب لما عافت البقر
  عضبت للمرء إذ نيكت حليلته ... وإذ يشد على وجعائها(٥) الثّفر(٦)
  إني لتارك هامات بمجزرة ... لا يزدهيني(٧) سواد الليل والقمر
  أغشى الحروب وسربالي مضاعفة ... نغشى البنان وسيفي صارم ذكر
  الغناء بشعره أفسد مجلس لهو:
  أخبرني ابن أبي الأزهر عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن فليح بن أبي العوراء قال:
  كان لي صديق بمكة، وكنا لا نفترق ولا يكتم أحد صاحبه سرّا، فقال لي ذات يوم: يا فليح، إني أهوى ابنة عم لي ولم أقدر عليها قط، وقد زارتني اليوم فأحبّ أن تسرّني بنفسك، فإني لا أحتشمك. فقلت: أفعل، وصرت إليهما، وأحضر / الطعام فأكلنا، ووضع النبيذ فشربنا أقداحنا، فسألني أن أغنيهما، فكأن اللَّه ø أنساني الغناء كلَّه إلَّا هذا الصوت:
  من الخفرات لم تفصح أباها ... ولم تلحق(٨) بإخوتها شنارا
  فلما سمعته الجارية قالت أحسنت يا أخي، أعد، فأعدته. فوثبت وقالت: أنا إلى اللَّه تائبة، واللَّه ما كنت لأفضح أبي ولا لأرفع لإخوتي شنارا. فجهد الفتى في رجوعها فأبت وخرجت، فقال لي: ويحك ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: واللَّه ما هو شيء اعتمدته، ولكنه ألقي على لساني لأمر أريد بك وبها. هكذا في الخبر المذكور.
  وقد رواه غير من ذكرته عن فليح بن أبي العوراء، فأخبرني اليزيديّ عن عمه عبيد اللَّه قال: كان إبراهيم بن سعدان يؤدب ولد عليّ بن هشام، وكان يغنّي بالعود تأدبا ولعبا، قال: فوجّه إليّ يوما عليّ بن هشام يدعوني،
(١) خلوف: ذهبوا من الحي.
(٢) زيادة في ف: ومعناها: جلس ناحية.
(٣) إلتقم المحجّة: استقبلها، وراح يطويها كأنه يلتقمها.
(٤) كذا في أ، ف. م. وفي ب، س: «أسد».
(٥) الوجعاء: الدبر.
(٦) الثفر: السير في مؤخر السراج، وكني بذلك عن اعتلائه إياها.
(٧) لا يزدهيني: لا يستخفني.
(٨) ف، هد: «ولم ترقع».