كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي نخيلة ونسبه

صفحة 476 - الجزء 20

  الرجز؟ قال: فقلت له: أنا واللَّه أرجز العرب، قال: فأنشدني من رجزك، فكأني واللَّه لما قال ذلك لم أقل رجزا قط، أنسانيه اللَّه كلَّه، فما ذكرت منه ولا من غيره شيئا إلا أرجوزة لرؤبة كان قالها في تلك السنة، فظننت أنها لم تبلغ مسلمة، فأنشده إياها، فنكس رأسه وتتعتعت، فرفع رأسه إليّ وقال: لا تتعب نفسك، فأنا أروى لها منك، قال: فانصرفت وأنا أكذب الناس عنده وأخزاهم عند / نفسي حتى تلطفت⁣(⁣١) بعد ذلك ومدحته برجز كثير، فعرفني وقرّبني. وما رأيت ذلك أثر فيه، يرحمه اللَّه ولا قرّ عني به حتى افترقنا.

  من مدحه لمسلمة:

  وحدّثني أبو نخيلة قال: لما انصرف مسلمة من حرب يزيد بن المهلب تلقيته، فلما عاينته صحت به:

  مسلم يا مسلمة الحروب ... أنت المصفّى من أذى العيوب

  مصاصة من كرم وطيب ... لولا ثقاف⁣(⁣٢) ليس بالتدبيب⁣(⁣٣)

  تفري به عن حجب القلوب ... لأمست الأمّة شاء الذيب

  فضحك وضمّني إليه، وأجزل صلتي.

  يسأل رجلا من عشيرته أن يوصله إلى الخليفة هشام فيفعل:

  حدّثني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه، وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال: حدّثني عليّ بن محمد النّوفلي عن أبيه - وقد جمعت روايتهما وأكثر اللفظ للأصمعي، قال: قال أبو نخيلة:

  وفدت على هشام بن عبد الملك فصادفت مسلمة قد مات، وكنت بأخلاق هشام غرّا وأنا غريب، فسألت عن أخص الناس به، فذكر لي رجلان: أحدهما من قيس، والآخر من اليمن، فعدلت إلى القيسي بالتؤدة⁣(⁣٤) فقلت: هو أقربهما إليّ، وأجدرهما بما أحب، فجلست إليه، ثم وضعت يدي على ذراعه وقلت له: إني مسستك⁣(⁣٥) لتمسّني رحمك⁣(⁣٦).

  / أنا رجل غريب شاعر من عشيرتك، وأنا غير عارف بأخلاق هذا الخليفة، وأحببت أن ترشدني إلى ما أعمل فينفعني عنده، وعلى أن تشفع لي وتوصلني إليه، فقال: ذلك كلَّه لك عليّ. وفي الرجل شدة، ليس كمن عهدت من أهله، وإذا سئل وخلط مدحه بطلب حرم الطالب، فأخلص له المدح، فإنه⁣(⁣٧) أجدر أن ينفعك، واغد إليه غدا فإني منتظرك بالباب حتى أوصلك، واللَّه يعينك. فصرت من غد إلى باب هشام، فإذا بالرجل منتظر لي، فأدخلني معه، / وإذا بأبي النجم قد سبقني فبدأ فأنشده قوله:


(١) في ب، س: «استضلعت».

(٢) الثقاف: ما تسوى به الرماح.

(٣) أ، التذنيب.

(٤) في ج: «بالنوارية». وفي أ، م: «بالمزارية»، ولم أعثر على موضع بهذه الألفاظ في المظان الَّتي رجعت إليها.

(٥) كذا في أ، م. وفي ب، س: «مستثنيك»، تحريف.

(٦) في ف: «لتمسني رحمك، رحمك اللَّه».

(٧) كذا في أ، ف، م. وفي ب، س: «فإذا» تحريف.