أخبار أبي نخيلة ونسبه
  / كان أبو نخيلة إذا نزل به ضيف هجاه، فنزل به يوما رجل من عشيرته، فسقاه سويقا قد حلَّاه، فقال له:
  زدني، فزاده. فلما رحل هجاه وذكر / الأبيات بعينها، وقال في الخبر قال أبو عبيدة: السّحتيت: السويق الدّقاق.
  يعتذر إلى السفاح من مدحه بني مروان:
  أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدثنا محمد بن زكريا الغلابيّ قال: حدّثني ابن عائشة قال:
  دخل أبو نخيلة على أبي العباس السفاح فسلَّم، واستأذن في الإنشاد، فقال له أبو العباس: لا حاجة لنا في شعرك، إنما تنشدنا فضلات بني مروان، فقال: يا أمير المؤمنين:
  كنا أناسا نرهب الأملاكا ... إذ ركبوا الأعناق والأوراكا
  قد ارتجينا زمنا أباكا ... ثم ارتجينا بعده أخاكا
  ثم ارتجينا بعده إياكا(١) ... وكان ما قلت لمن سواكا ... زورا فقد كفّر هذا ذاكا
  فضحك أبو العباس، وأجازه جائزة سنية، وقال: أجل، إن التوبة لتكفر ما قبلها، وقد كفّر هذا ذاك.
  وأخبرنا أبو الفياض سوّار بن أبي شراعة قال: حدّثني أبي عن عبد الصمد بن المعذّل عن أبيه قال:
  دخل أبو نخيلة على أبي العباس، قال وكان لا يجترئ(٢) عليه مع ما يعرفه به من اصطناع مسلمة إياه، وكثرة مديحه لبني مروان حتى علم أنه قد عفا عمّن هو أكبر(٣) محلَّا / من القوم وأعظم جرما منه، فلما وقف بين يديه سلَّم عليه، ودعا له وأثنى، ثم استأذنه في الإنشاد، فقال له: ومن أنت؟ قال: عبدك يا أمير المؤمنين أبو نخيلة الحمّاني. فقال: لا حيّاك اللَّه، ولا قرّب دارك يا نضو السوء. ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بالأمس:
  أمسلم يا من ساد كلّ خليفة(٤) ... ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض؟
  واللَّه لولا أني قد أمّنت نظراءك لما ارتدّ إليك طرفك حتى أخضبك بدمك. فقال أبو نخيلة:
  كنّا أناسا نرهب الأملاكا
  يعفو السفاح عنه ويخوله اختيار جارية فلا يحمدها:
  وذكر الأبيات المتقدمة كلَّها مثل ما مضى من ذكرها، فتبسم أبو العباس، ثم قال له: أنت شاعر وطالب خير(٥). وما زال الناس يمدحون الملوك في دولهم، والتوبة تكفر(٦) الخطيئة، والظَّفر يزيل الحقد. وقد عفونا عنك، واستأنفنا الصنيعة لك. وأنت الآن شاعرنا فاتّسم بذلك فيزول عنك ميسم بني مروان، فقد كفّر هذا ذاك. كما قلت. ثم التفت إلى أبي الخصيب فقال: يا مرزوق، أدخله دار الرقيق فخيّره جارية يأخذها لنفسه، ففعل واختار
(١) في هد، ف: «ثم ارتجيناك لها أياكا».
(٢) ف: «وكاد لا يجترئ».
(٣) كذا في ب، وفي سائر النسخ: «أكثر».
(٤) ف، هد مم: «أمسلم إني يا بن كل خليفة».
(٥) في ف: «خبز».
(٦) في ف: «تمحو».