ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة
  لكلّ أناس جوهر متنافس ... وأنت طراز الآنسات الملائح
  فطرب محمد، واستعاد الصوت مرارا، وقال لإبراهيم: يا عمّ كيف سمعت؟ قال: يا سيدي، سمعت حسنا، وإن تطاولت بها الأيام، وسكن روعها ازداد غناؤها حسنا، فقال للفضل بن الربيع: خذها إليك، وساوم بها، ففعل، فاشتطَّ مولاها في السّوم، ثم أوجبها له بمائة ألف دينار، وانتقض أمر محمّد، وشغل عنها، وشغلت عنه، فلم يأمر لمولاها بثمنها حتى قتل بعد أن أفتضّها، فرجعت إلى مولاها، ثم هربت منه إلى حاتم بن عديّ، وذكر باقي الخبر كما ذكره من تقدم.
  وقال في خبره: إنها هربت من مولاها إلى ابن حامد(١)، فلم تزل عنده حتى قدم المأمون بغداد، فتظلَّم إليه المراكبيّ من محمد بن حامد(٢)، فأمر بإحضاره فأحضر، فسأله عنها فأنكر، فقال له المأمون: كذبت قد سقط إليّ خبرها. وأمر صاحب الشرطة أن يجرده في مجلس الشرطة، ويضع عليه السّياط حتى يردّها، فأخذه، وبلغها الخبر فركبت حمار مكار، وجاءت وقد جرّد ليضرب، وهي مكشوفة الوجه، وهي تصيح: أنا عريب، إن كنت مملوكة فليبعني، وإن كنت حرّة فلا سبيل له عليّ، فرفع خبرها إلى المأمون، فأمر بتعديلها(٣) عند قتيبة بن زياد القاضي، فعدّلت عنده، وتقدّم إليه المراكبيّ مطالبا بها، فسأله البيّنة على ملكه إياها، فعاد متظلَّما إلى المأمون، وقال: قد طولبت بما لم يطالب به أحد في رقيق، ولا يوجد مثله في يد من ابتاع عبدا أو أمة.
  / وتظلمت إليه زبيدة، وقالت: من أغلظ ما جرى عليّ بعد قتل محمد ابني هجوم المراكبيّ على داري وأخذه عريبا منها. فقال المراكبيّ: إنما أخذت ملكي، لأنّه لم ينقدني الثّمن، فأمر المأمون بدفعها إلى محمد بن عمر الواقديّ - وكان قد ولَّاه القضاء بالجانب / الشرقي - فأخذها من قتيبة بن زياد، فأمر ببيعها ساذجة، فاشتراها المأمون بخمسين ألف درهم، فذهبت به كلّ مذهب ميلا إليها ومحبّة لها.
  قال ابن المعتز: ولقد حدثني علي بن يحيى المنجم أن المأمون قبّل في بعض الأيام رجلها، قال: فلما مات المأمون بيعت في ميراثه، ولم يبع له عبد ولا أمة غيرها، فاشتراها المعتصم بمائة ألف درهم، وأعتقها، فهي مولاته.
  وذكر حمّاد بن إسحاق عن أبيه أنها لمّا هربت من دار محمد حين قتل تدلَّت من قصر الخلد بحبل إلى الطريق، وهربت إلى حاتم بن عديّ.
  وأخبرني جحظة، عن ميمون بن هارون:
  أنّ المأمون اشتراها بخمسة آلاف دينار، ودعا بعبد اللَّه بن إسماعيل، فدفعها إليه وقال: لولا أنّي حلفت ألَّا أشتري مملوكا بأكثر من هذا لزدتك، ولكني سأولَّيك عملا تكسب فيه أضعافا لهذا الثمن مضاعفة، ورمى إليه بخاتمين من ياقوت أحمر، قيمتها ألف دينار، وخلع خلعا سنيّة، فقال: يا سيدي، إنما ينتفع الأحياء بمثل هذا، وأما أنا فإني ميّت لا محالة، لأن هذه الجارية كانت حياتي، وخرج عن حضرته، فاختلط وتغيّر عقله، ومات بعد أربعين يوما.
(١) ف: «حاتم».
(٢) ف: «حاتم بن عدي».
(٣) عدل الشيء أو الحكم: أقامه وسواه. وتعديلها عند قتيبة بن زياد إقامة العدل في أمرها عنده.