كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة

صفحة 49 - الجزء 21

  قال ابن المعتز: فحدثني عليّ بن يحيى قال: حدثني كاتب الفضل بن مروان: قال:

  حدثني إبراهيم بن رباح قال:

  كنت أتولَّى نفقات المأمون، فوصف له إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عريب، فأمره أن يشتريها، فاشتراها بمائة ألف درهم، فأمرني المأمون بحملها، وأن أحمل إلى إسحاق مائة ألف درهم أخرى. ففعلت ذلك، ولم أدر كيف / أثبتها، فحكيت في الدّيوان أن المائة الألف خرجت في ثمن جوهرة، والمائة الألف الأخرى خرجت لصائغها ودلَّالها، فجاء الفضل بن مروان إلى المأمون، وقد رأى ذلك، فأنكره، وسألني عنه، فقلت: نعم هو ما رأيت، فسأل المأمون عن ذلك، وقال: أوجب وهب لدلَّال وصائغ مائة ألف درهم، وغلَّظ القصة، فأنكرها المأمون، فدعاني، ودنوت إليه، وأخبرته أنه المال الذي خرج في ثمن عريب وصلة إسحاق، وقلت: أيّما أصوب يا أمير المؤمنين: ما فعلت أو أثبت في الدّيوان أنها خرجت في صلة مغنّ وثمن مغنّية؟ فضحك المأمون وقال: الذي فعلت أصوب، ثم قال للفضل بن مروان: يا نبطىّ، لا تعترض على كاتبي هذا في شيء.

  وقال ابن المكي: حدثني أبي عن تحرير الخادم: قال:

  دخلت يوما قصر الحرم، فلمحت عريب جالسة⁣(⁣١) على كرسي ناشرة شعرها تغتسل، فسألت عنها، فقيل:

  هذه عريب⁣(⁣١) دعا بها سيدها اليوم، فافتضّها.

  قال ابن المعتزّ: فأخبرني ابن عبد الملك البصريّ:

  أنّها لما صارت في دار المأمون احتالت حتى وصلت إلى محمد بن حامد، وكانت قد عشقته وكاتبته بصوت قالته، ثم احتالت في الخروج إليه، وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت، حتى حبلت منه وولدت بنتا، وبلغ ذلك المأمون فزوّجه إياها.

  وأخبرنا إبراهيم بن القاسم بن زرزور، عن أبيه، وحدّثني به المظفّر بن كيغلغ عن القاسم بن زرزور، قال:

  لما وقف المأمون على خبرها مع محمد بن حامد أمر بإلباسها جبّة صوف وختم زيقها⁣(⁣٢) وحبسها في كنيف مظلم شهرا لا ترى الضوء، يدخل إليها خبز وملح وماء من تحت الباب / في كل يوم، ثم ذكرها، فرقّ لها، وأمر بإخراجها، فلما فتح الباب عنها، وأخرجت لم تتكلم بكلمة حتى اندفعت تغني:

  /

  حجبوه عن بصري فمثّل شخصه ... في القلب فهو محجّب لا يحجب

  فبلغ ذلك المأمون، فعجب منها، وقال: لن تصلح هذه أبدا، فزوّجها إيّاه.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  لو كان يقدر أن يبثّك ما به ... لرأيت أحسن عاتب يتعتّب

  حجبوه عن بصري فمثّل شخصه ... في القلب فهو محّجب لا يحجب


(١ - ١) التكملة من: مم، ف.

(٢) زيق القميص ونحوه: ما أحاط بالعنق منه.