ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة
  الغناء لعريب ثقيل أول بالوسطى.
  رقعة منها في تركه
  : قال ابن المعتزّ: وحدثني لؤلؤ صديق عليّ بن يحيى المنجّم: قال: حدثني أحمد بن جعفر بن حامد: قال:
  لما توفّي عمّي محمد بن حامد صار جدّي إلى منزله، فنظر إلى تركته، وجعل يقلَّب ما خلَّف، ويخرج إليه منها الشيء بعد الشيء إلى أن أخرج إليه سفط مختوم، ففضّ الخاتم، وجعل يفتحه، فإذا فيه رقاع عريب إليه، فجعل يتصفّحها ويبتسم، فوقعت في يده رقعة، فقرأها، ووضعها من يده وقام لحاجة، فقرأتها فإذا فيها قوله:
  صوت
  ويلي عليك ومنكا ... أوقعت في الحق شكَّا
  زعمت أنّي خئون ... جورا عليّ وإفكا
  إن كان ما قلت حقا ... أو كنت أزمعت تركا
  فأبدل اللَّه ما بي ... من ذلَّة الحبّ نسكا
  / لعريب في هذه الأبيات رمل وهزج، عن الهشاميّ والشّعر لها.
  تجيب على قبلة بطعنة
  : قال ابن المعتز: وحدثني عبد الوهاب بن عيسى الخراسانيّ، عن يعقوب الرّخاميّ: قال:
  كنّا مع العباس بن المأمون بالرّقة وعلى شرطته هاشم - رجل من أهل خراسان - فخرج إليّ، وقال: يا أبا يوسف، ألقي إليك سرّا لثقتي بك، وهو عندك أمانة، قلت: هاته، قال: كنت واقفا على رأس الأمين(١) وبي حرّ شديد، فخرجت عريب، فوقفت معي، وهي تنظر في كتاب(٢) فما ملكت نفسي أن أو مأت بقبلة، فقالت: كحاشية البرد. فو اللَّه ما أدري ما أرادت، فقلت: قالت لك: طعنة.
  قال: وكيف ذاك؟ قلت: أرادت قول الشاعر:
  رمى ضرع ناب فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم(٣)
  وحكى هذه القصة أحمد بن أبي طاهر، عن بشر بن زيد، عن عبد اللَّه بن أيوب بن أبي شمر، أنهم كانوا عند المأمون ومعهم محمد بن حامد، وعريب تغنّيهم، فغنّت تقول:
  رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم:
  فقال لها المأمون: من أشار إليك بقبلة، فقلت له طعنة؟ فقالت له: يا سيدي، من يشير إليّ بقبلة من
(١) ف: «الأمير».
(٢) ف: «وهو ينظر في كتاب».
(٣) الناب: الناقة المسنة، والمراد أن الطعنة كانت نافذة فأحدثت بالضرع ما يشبه النقش المسهم في البرود اليمنية، ويعتبر قولها:
كحاشية البرد، من الكنايات الخفية، كأنها تقول لمن أومأ إليها بالقبلة: رميت بمثل هذه الطعنة.
يفهم من هذا أن قصة القبلة الأولى وما لابسها من الطعنة المشار إليها في هذا البيت كانت قد شاعت وتدوولت حتى أوحى تكرار البيت أمام المأمون أن ثمة قبلة أخرى أومأ بها مومئ إلى عريب، فوقف الغناء وجعل يتحرى مصدر هذه القبلة.