الأحوص وبعض أخباره
  أخبرني الحرميّ، عن الزبير، عن إسحاق بن عبد الملك:
  / إن الأحوص كان ليّنا، وأن عاتكة التي ينسب بها ليست عاتكة بنت عبد اللَّه بن يزيد بن معاوية، وإنما هو رجل كان ينزل قرى كانت بين الأشراف كنى عنه بعاتكة.
  أخبرني الحرميّ عن الزبيريّ عن يعقوب بن حكيم: قال:
  كان الأحوص ليّنا، وكان يلزم نازلا بالأشراف، فنهاه أخوه عن ذلك، فتركه فرقا من أخيه، وكان يمرّ قريبا من خيمة النازل بالأشراف ويقول:
  يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل
  يكنى عنه بعاتكة ولا يقدر أن يدخل عليه.
  الفرزدق وكثير يزوران الأحوص
  : أخبرني الحرميّ، عن الزبيري، عن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم: قال: حدثني عبد العزيز بن عمران: قال:
  قدم الفرزدق المدينة، فقال لكثيّر؟ هل لك بنا في الأحوص نأتيه ونتحدث عنده؟ فقال له: وما نصنع به؟ إذا واللَّه نجد عنده عبدا حالكا أسود حلوكا يؤثره علينا، ويبيت مضاجعه ليلته حتى يصبح، قال الفرزدق: فقلت: إن هذا من عداوة الشعراء بعضهم لبعض، قال: فانهض بنا إليه إذا - لا أب لغيرك - قال الفرزدق: فأردفت كثيّرا ورائي على بغلتي، وقلت: تلفّف(١) يا أبا صخر، فمثلك لا يكون رديفا، فخمّر رأسه وألصق فيّ وجهه، فجعلت لا أجتاز بمجلس قوم إلا قالوا: من هذا وراءك يا أبا فراس؟ فأقول: جارية وهبها لي الأمير، فلما أكثرت عليه من ذلك، واجتاز على بني زريق، وكان يبغضهم، فقلت لهم ما كنت أقول قبل ذلك، كشف عن رأسه وأومض(٢) وقال:
  كذب، ولكني كرهت أن أكون له رديفا(٣) وكان حديثه لي معجبا(٣)، فركبت وراءه، ولم تكن لي دابة أركبها إلا دابّته، فقالوا: لا تعجل يا أبا صخر، ههنا دوابّ كثيرة تركب / منها ما أردت، فقال: دوابّكم واللَّه أبغض إلى من ردفه، فسكتوا عنه. وجعل يتغشّم(٤) عليهم، حتى جاوز أبصارهم، فقلت: واللَّه ما قالوا لك بأسا، فما الذي أغضبك عليهم؟ فقال: واللَّه ما أعلم نفرا أشدّ تعصبا للقرشيين من نفر اجتزت بهم، قال: فقلت له: وما أنت - لا أمّ(٥) لك ولقريش - قال: أنا واللَّه أحدهم، قلت: إن كنت أحدهم فأنت واللَّه دعيّهم، قال: دعيّهم خير من صحيح نسب العرب، وإلا فأنا واللَّه من أكرم بيوتهم، أنا أحد بني الصّلت بن النضر، قلت: إنما قريش ولد فهر بن مالك، فقال: كذبت. فقال: ما علمك يا بن الجعراء بقريش؟ هم بنو النّضر بن كنانة، ألم تر إلى النبي ﷺ انتسب إلى النّضر بن / كنانة، ولم يكن ليجاوز أكرم نسبه، قال: فخرجنا حتى أتينا الأحوص، فوجدناه في مشربة له، فقلنا له:
  أنرقى إليك أم تنزل إلينا؟ قال: لا أقدر على ذلك، عندي أمّ جعفر، ولم أرها منذ أيام، ولي فيها شغل، فقال كثيّر:
(١) يريد بتلففه أن يتنكر، حتى لا يعرفه الناس.
(٢) أومض: أشار إشارة خفيفة رمزا أو غمزا.
(٣ - ٣) التكملة من مو، ف.
(٤) يتغثم: يتجنّى.
(٥) ب، مو: مم: «لا أرض لك».