الأحوص وبعض أخباره
  أم جعفر واللَّه بعض عبيد الزّرانيق(١) فقلنا له: فأنشدنا بعض ما أحدثت به، فأنشدنا قوله:
  يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكَّل
  حتى أتى على آخرها، فقلت لكثير: قاتله اللَّه، ما أشعره، لولا ما أفسد به نفسه، قال: ليس هذا إفسادا، هذا خسف إلى التّخوم، فقلت: صدقت، وانصرفنا من عنده، فقال: أين تريد؟ فقلت: إن شئت فمنزلي، وأحملك على البغلة، وأهب لك المطرف، وإن شئت فمنزلك ولا أرزؤك شيئا، فقال: بل منزلي، وأبذل لك ما قدرت عليه، وانصرفنا إلى منزله، فجعل يحدثني وينشدني حتى جاءت الظَّهر، فدعا لي بعشرين / دينارا وقال: استعن بهذه يا أبا فرس على مقدمك، قلت: هذا أشد من حملان بني زريق، قال: واللَّه إنك ما تأنف من أخذ هذا من أحد، غير الخليفة، قال الفرزدق: فجعلت أقول في نفسي: تاللَّه إنه لمن قريش، وهممت ألا أقبل منه. فدعتني نفسي - وهي طمعة - إلى أخذها منه، فأخذتها.
  من هي الجعراء؟
  معنى قول كثيّر للفرزدق: يا بن الجعراء: يعيّره بدغة، وهي أم عمرو بن تميم، وبها يضرب المثل في الحماقة، فيقال: هي أحمق من دغة، وكانت حاملا، فدخلت الخلاء، فولدت، وهي لا تعلم ما الولد، وخرجت وسلاها(٢) بين رجليها، وقد استهل ولدها، فقالت: يا جارتا، أيفتح الجعرفاه(٣) فقالت جارتها: نعم يا حمقاء، ويدعو أباه، فبنو تميم يعيّرون بذلك، ويقال للمنسوب منهم: يا بن الجعراء.
  ملاحاة بينه وبين السريّ
  : أخبرني الحرميّ، عن الزبير قال: حدّثني سليمان بن داود المجمعيّ: قال:
  اجتاز السّريّ بن عبد الرّحمن بن عتبة بن عويمر بن ساعدة الأنصاريّ بالأحوص وهو ينشد قوله:
  يا بيت عاتكة الذي أتعزّل
  فقال السّريّ:
  يا بيت عاتكة المنوّة باسمه ... اقعد على من تحت سقفك واعجل
  فواثبه الأحوص، وقال في ذلك:
  فأنت وشتمي في أكاريس(٤) مالك ... وسبّي به كالكلب إذ ينبح النّجما
  / تداعى(٥) إلى زيد وما أنت منهم ... تحقّ أبا إلَّا الولاء ولا أمّا
  وإنّك لو عدّدت أحساب مالك ... وأيامها فيها ولم تنطق الرّجما
  أعادتك عبدا أو تنقّلت كاذبا(٦) ... تلمّس في حيّ سوى مالك جذما
(١) الزرنوق: النهر الصغير، وتزرنق: استقى على الزرنوق بالأجرة، فالمراد بعبيد الزرانيق الذين يكرون للسقي.
(٢) السلا: جلدة يكون فيها الولد من الناس والمواشي.
(٣) الجعر: ما يبس من العذرة.
(٤) الأكاريس: جمع أكراس، وأكراس جمع كرس بمعنى الجماعة، وفي مو: «وسبّي له».
(٥) تداعى: مضارع حذفت منه إحدى التاءين، وفي ف: «تدعى»، والمعنى على كليهما: تنسب إلى زيد ولست منهم.
(٦) ب: «أعادتك عبدا وانتقلت مكذبا».