كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الأحوص وبعض أخباره

صفحة 72 - الجزء 21

  أم جعفر واللَّه بعض عبيد الزّرانيق⁣(⁣١) فقلنا له: فأنشدنا بعض ما أحدثت به، فأنشدنا قوله:

  يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكَّل

  حتى أتى على آخرها، فقلت لكثير: قاتله اللَّه، ما أشعره، لولا ما أفسد به نفسه، قال: ليس هذا إفسادا، هذا خسف إلى التّخوم، فقلت: صدقت، وانصرفنا من عنده، فقال: أين تريد؟ فقلت: إن شئت فمنزلي، وأحملك على البغلة، وأهب لك المطرف، وإن شئت فمنزلك ولا أرزؤك شيئا، فقال: بل منزلي، وأبذل لك ما قدرت عليه، وانصرفنا إلى منزله، فجعل يحدثني وينشدني حتى جاءت الظَّهر، فدعا لي بعشرين / دينارا وقال: استعن بهذه يا أبا فرس على مقدمك، قلت: هذا أشد من حملان بني زريق، قال: واللَّه إنك ما تأنف من أخذ هذا من أحد، غير الخليفة، قال الفرزدق: فجعلت أقول في نفسي: تاللَّه إنه لمن قريش، وهممت ألا أقبل منه. فدعتني نفسي - وهي طمعة - إلى أخذها منه، فأخذتها.

  من هي الجعراء؟

  معنى قول كثيّر للفرزدق: يا بن الجعراء: يعيّره بدغة، وهي أم عمرو بن تميم، وبها يضرب المثل في الحماقة، فيقال: هي أحمق من دغة، وكانت حاملا، فدخلت الخلاء، فولدت، وهي لا تعلم ما الولد، وخرجت وسلاها⁣(⁣٢) بين رجليها، وقد استهل ولدها، فقالت: يا جارتا، أيفتح الجعرفاه⁣(⁣٣) فقالت جارتها: نعم يا حمقاء، ويدعو أباه، فبنو تميم يعيّرون بذلك، ويقال للمنسوب منهم: يا بن الجعراء.

  ملاحاة بينه وبين السريّ

  : أخبرني الحرميّ، عن الزبير قال: حدّثني سليمان بن داود المجمعيّ: قال:

  اجتاز السّريّ بن عبد الرّحمن بن عتبة بن عويمر بن ساعدة الأنصاريّ بالأحوص وهو ينشد قوله:

  يا بيت عاتكة الذي أتعزّل

  فقال السّريّ:

  يا بيت عاتكة المنوّة باسمه ... اقعد على من تحت سقفك واعجل

  فواثبه الأحوص، وقال في ذلك:

  فأنت وشتمي في أكاريس⁣(⁣٤) مالك ... وسبّي به كالكلب إذ ينبح النّجما

  / تداعى⁣(⁣٥) إلى زيد وما أنت منهم ... تحقّ أبا إلَّا الولاء ولا أمّا

  وإنّك لو عدّدت أحساب مالك ... وأيامها فيها ولم تنطق الرّجما

  أعادتك عبدا أو تنقّلت كاذبا⁣(⁣٦) ... تلمّس في حيّ سوى مالك جذما


(١) الزرنوق: النهر الصغير، وتزرنق: استقى على الزرنوق بالأجرة، فالمراد بعبيد الزرانيق الذين يكرون للسقي.

(٢) السلا: جلدة يكون فيها الولد من الناس والمواشي.

(٣) الجعر: ما يبس من العذرة.

(٤) الأكاريس: جمع أكراس، وأكراس جمع كرس بمعنى الجماعة، وفي مو: «وسبّي له».

(٥) تداعى: مضارع حذفت منه إحدى التاءين، وفي ف: «تدعى»، والمعنى على كليهما: تنسب إلى زيد ولست منهم.

(٦) ب: «أعادتك عبدا وانتقلت مكذبا».