الأحوص وبعض أخباره
  وما أنا بالمحسوس في جذم مالك ... ولا بالمسمّى ثم يلتزم إلاسما
  ولكن أبي لو قد سألت وجدته ... توسّط منها العزّ والحسب الضّخما
  فأجابه السّريّ فقال:
  سألت جميع هذا الخلق طرّا ... متى كان الأحيوص من رجالي
  وهي أبيات ليست بجيدة ولا مختارة، فألغيت ذكرها.
  شعره يسعف دليل المنصور
  : أخبرني محمد بن أحمد بن الطَّلاس / أبو الطَّيب، عن أحمد بن الحارث الخرّاز، عن المدائني، وأخبرني به الحرميّ، عن الزبير: قال: حدثني عمي - وقد جمعت روايتيهما -.
  أنّ المنصور أمر الرّبيع لما حجّ أن يسايره برجل(١) يعرف المدينة وأهلها وطرقها ودورها وحيطانها، فكان رجل من أهلها قد انقطع إلى الربيع زمانا، وهو رجل من الأنصار، فقال له: تهيأ فإني أظن جدّك قد تحرّك، إن أمير المؤمنين قد أمرني أن أسايره برجل يعرف المدينة وأهلها وطرقها وحيطانها ودورها فتحسّس(٢) موافقته ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك، ولا تكتمه شيئا، ولا تسأله حاجة، فغدا عليه بالرجل، وصلَّى المنصور، فقال: يا ربيع، الرجل، فقال: ها هو ذا، فسار معه يخبره عما سأل حتى ندر(٣) من أبيات المدينة، فأقبل عليه المنصور، فقال:
  من أنت أولا؟ فقال: من لا تبلغه / معرفتك - هكذا ذكر الخرّاز وليس في رواية الزبير - فقال: ما لك من الأهل والولد؟ فقال: واللَّه ما تزوجت، ولا لي خادم، قال: فأين منزلك؟ قال: ليس لي منزل، قال: فإن أمير المؤمنين قد أمر لك بأربعة آلاف درهم، فرمى بنفسه فقبّل رجله، فقال له: اركب، فركب، فلما أراد الانصراف قال للربيع: يا أبا الفضل، قد أمر لي أمير المؤمنين بصلة، قال: إيه، قال: إن رأيت أن تنجّزها لي، قال: هيهات، قال: فأصنع ماذا؟ قال: لا أدري واللَّه - وفي رواية الخراز أنه قال: ما أمر لك بشيء، ولو أمر به لدعاني، فقال: أعطه أو وقّع إليّ - فقال الفتى: هذا همّ لم يكن في الحساب، فلبثت أياما، ثم قال المنصور للربيع: ما فعل الرجل؟ قال:
  حاضر، قال: سايرنا به الغداة، ففعل، وقال له الربيع: إنه خارج بعد غد، فاحتل لنفسك، فإنه واللَّه إن فاتك فإنه آخر العهد به، فسار معه، فجعل لا يمكنه شيء حتى انتهى إلى مسيره، ثم رجع وهو كالمعرض عنه، فلما خاف فوته أقبل عليه فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة، قال: وما بيت عاتكة؟ قال: الذي يقول فيه الأحوص.
  يا بيت عاتكة الذي أتعزل
  قال: فمه، قال: إنه يقول فيها:
  إنّ امرأ قد نال منك وسيلة ... يرجو منافع غيرها لمضلَّل
  وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل
  فقال الزّبير في خبره: فقال له: لقد رأيتك أذكرت بنفسك، يا سليمان بن مخلد، أعطه أربعة آلاف درهم، فأعطاه إياها، وقال الخرّاز في خبره: فضحك المنصور، وقال: قاتلك اللَّه، ما أظرفك، يا ربيع أعطه ألف درهم،
(١) مم، مو، ف: «أن يبغيه رجلا».
(٢) ف، مم: «فتحر» بدل «فتحسس»، وفي ب: «فتحسن».
(٣) ندر: خرج.