أخبار تأبط شرا ونسبه
  نجوت منها نجائي في بجيلة إذ ... ألقيت للقوم يوم الرّوع أرواقي(١)
  وذكرها ابن أبي سعيد في الخبر إلى آخرها.
  وأما المفضّل الضّبيّ فذكر أن تأبط شرّا وعمرو بن برّاق والشّنفري - وغيره يجعل مكان الشنفري السّليك بن السّلكة - غزوا بجيلة فلم يظفروا منهم بغرّة، وثاروا إليهم فأسروا عمرا، وكتّفوه، وأفلتهم الآخران عدوا، فلم يقدروا عليهما، فلما علما أن ابن برّاق قد أسر قال تأبط شرا لصاحبه: امض فكن قريبا من عمرو، فإني سأتراءى لهم وأطمعهم في نفسي حتى يتباعدوا عنه، فإذا فعلوا ذلك فحلّ كتافه، وانجوا، ففعل ما أمره به، وأقبل تأبط شرّا، حتى تراءى لبجيلة، فلما رأوه طمعوا فيه، فطلبوه، وجعل يطمعهم في نفسه، ويعدو عدوا خفيفا يقرّب فيه، ويسألهم تخفيف الفدية وإعطاءه الأمان، حتى يستأسر لهم، وهم يجيبونه إلى ذلك، ويطلبونه وهو يحضر إحضارا خفيفا، ولا يتباعد، حتى علا تلعة / أشرف منها على صاحبيه، فإذا هما قد نجوا، ففطنت لهما بجيلة، فألحقتهما طلبا ففاتاهم، فقال: يا معشر بجيلة أأعجبكم عدو ابن برّاق اليوم، واللَّه لأعدونّ لكم عدوا أنسيكم به عدوه، ثم عدا عدوا شديدا، ومضى وذلك قوله:
  يا عيد ما لك من شوق وإبراق
  وأمّا الأصمعيّ فإنه ذكر فيما أخبرني به ابن أبي الأزهر عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عمه:
  أنّ بجيلة أمهلتهم حتى وردوا الماء وشربوا وناموا، ثم شدّوا عليهم، فأخذوا تأبّط شرّا، فقال لهم: إن ابن برّاق دلَّاني في هذا، وإنه لا يقدر على العدو لعقر في رجليه، فإن تبعتموه أخذتموه، فكتّفوا تأبّط شرّا، ومضوا في أثر ابن براق، فلما بعدوا عنه عدا في كتافه ففاتهم، ورجعوا.
  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثنا أبو سعيد السكريّ قال: حدثنا ابن الأثرم، عن أبيه. وحدثنا محمد بن حبيب، عن أبي عمرو، قالا:
  كان تأبّط شرّا يعدو على رجليه، وكان فاتكا شديدا، فبات ليلة ذات ظلمة وبرق ورعد في قاع يقال له رحى بطان، فلقيته الغول فما زال يقاتلها ليلته إلى أن أصبح وهي تطلبه، قال: والغول: سبع من سباع الجنّ، وجعل يراوغها، وهي تطلبه، وتلتمس غرّة منه، فلا تقدر عليه، إلى أن أصبح، فقال تأبط شرّا:
  ألا من مبلغ فتيان فهم ... بما لاقيت عند رحى بطان
  بأنّي قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان
  فقلت لها: كلانا نضو أين ... أخوه سفر فخلَّي لي مكاني
  فشدّت شدّة نحوي فأهوى ... لها كفّي بمصقول يماني
  فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران
  / فقالت عد، فقلت لها: رويدا ... مكانك إنني ثبت الجنان
  فلم أنفكّ متّكئا عليها ... لأنظر مصبحا ماذا أتاني
(١) ألقى أرواقه: أسرع في عدوه، وجاء البيت في قصيدة «المفضليات» الرابع في الترتيب.