كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار تأبط شرا ونسبه

صفحة 91 - الجزء 21

  /

  إذا عينان في رأس قبيح ... كرأس الهرّ مشقوق اللَّسان

  وساقا مخدج وشواة كلب ... وثوب من عباء أو شنان⁣(⁣١)

  يفر ويدع من معه

  : قالوا: وكان من حديثه أنه خرج غازيا يريد بجيلة هو ورجل معه، وهو يريد أن يغترّهم، فيصيب حاجته، فأتى ناحية منهم، فقتل رجلا، ثم استاق غنما كثيرة، فنذروا به، فتبعه بعضهم على خيل، وبعضهم رجّالة، وهم كثير، فلما رآهم، وكان من أبصر الناس عرف وجوههم، فقال لصاحبه: هؤلاء قوم قد عرفتهم، ولن يفارقونا اليوم حتى يقاتلونا أو يظفروا بحاجتهم، فجعل صاحبه ينظر، فيقول: ما أتبيّن أحدا، حتى إذا دهموهما قال لصاحبه: اشتدّ فإني سأمنعك ما دام في يدي سهم، فاشتد الرجل، ولقيهم تأبّط شرّا، وجعل يرميهم حتى نفدت نبله، ثم إنه اشتدّ فمرّ بصاحبه فلم يطق شدّه، فقتل صاحبه، وهو ابن عمّ لزوجته، فلما رجع تأبّط شرّا وليس صاحبه معه عرفوا أنه قد قتل، فقالت له امرأته: تركت صاحبك وجئت متباطئا، فقال تأبط شرا في ذلك:

  ألا تلكما عرسي منيعة ضمّنت ... من اللَّه إثما مستسرّا وعالنا⁣(⁣٢)

  تقول: تركت صاحبا لك ضائعا ... وجئت إلينا فارقا متباطنا⁣(⁣٣)

  إذا ما تركت صاحبي لثلاثة ... أو اثنين مثلينا فلا أبت آمنا⁣(⁣٤)

  / وما كنت أبّاه على الخلّ إذ دعا ... ولا المرء يدعوني ممرّا مداهنا⁣(⁣٥)

  وكرّي إذا أكرهت رهطا وأهله ... وأرضا يكون العوص فيها عجاهنا⁣(⁣٦)

  ولمّا سمعت العوص تدعو تنفّرت ... عصافير رأسي من غواة فراتنا⁣(⁣٧)

  ولم أنتظر أن يدهموني كأنهم ... ورائي نحل في الخليّة واكنا⁣(⁣٨)


(١) آثرنا إثبات هذه الأبيات مع سبق إيرادها تمشيا مع النسخ: ب، ف، مو، أما هد فقد اجتزأت بذكر المصراع الأول من البيت الأول، وأردفته بقولها: «وقد تقدمت».

(٢) عرسه: زوجته، يريد أنه ألحق بها إثما أسرّه في نفسه فظهر، وذلك بقتل ابن عمها.

(٣) في هد، ف تقول:

«تركت صاحبي بمضيعة»

وفارقا متباطئا: فارقته وجئت متخفيا، وقد يكونان من الفرقة والبطنة بمعنى جئتنا خائفا ممتلئ البطن.

(٤) يدعو على نفسه إن كان ترك صاحبه لعدد قليل، وإنما هو جمع لا قبل لهما به، وفي بعض النسخ:

«إذا ما تركت صاحبي خوف واحد أو اثنين»

إلخ.

(٥) الممر من إمرار الحبل بمعنى إحكام فتله، أو من المرارة، والمداهن: من دهنه بمعنى ضربه، يريد أنه لا يتخلى عن خله إذا كان ذا بأس وقوة، وفي مو

«وما كنت أباء على الخيل ... .... ضيرا مداهنا «

ولعل المعنى عليه أنني ما كنت أضن بالنجدة حتى على من لا يخلص لي، متى كان فيه غناء.

(٦) كري معطوف على الخل في البيت السابق أي ما كنت أبّاه على الكر، ورهط: اسم موضع؛ وهو مفعول كر، والعوص: اسم قبيلة، والعجاهن: من معانيه القنفذ، والمعنى - فيما يبدو لنا - ما كنت أمتنع عندما أكره عن غزو رهط وأهله وأرض العوص، وهم فيها مسلحون شائكون كالقنافذ والعوص بفتح فسكون كما في ف، وفي هد، مو: بضم فسكون.

(٧) تدعو أي إلى الحرب، تنفرت عصافير رأسي: كناية عن الغضب والثورة، والعصافير: جمع عصفور، والمراد به هنا قطعة من الدماغ تفصلها عنه جليدة رقيقة، والفراتن: جمع فرتنى، وهي المرأة الزانية، أو الأمة.

(٨) واكنا: حال من نحل، وسوغ مجيء الحال من النكرة هنا وصفها يشبه الجملة بعدها، ويقال: وكن الطائر: دخل عشه. ومعنى البيت وما قبله: لما همت بي رجال العوص لم أتقاعس، بل حملت عليهم، ولم أنتظر أن يحيطوا بي إحاطة النحل بالخلية.