أخبار تأبط شرا ونسبه
  ولا أن تصيب النّافذات مقاتلي ... ولم أك بالشدّ الذليق مداينا(١)
  فأرسلت مثنيّا عن الشدّ واهنا ... وقلت تزحزح لا تكوننّ حائنا(٢)
  وحثحثت مشعوف النّجاء كأنه ... هجفّ رأى قصرا سمالا وداجنا(٣)
  / من الحصّ هزروف يطير عفاؤه ... إذا استدرج الفيفا ومدّ المغابنا(٤)
  أزج زلوج هزرفيّ زفازف ... هزفّ يبذّ الناجيات الصّوافنا(٥)
  فزحزحت عنهم أو تجئني منيّتي ... بغبراء أو عرفاء تفري الدّفائنا(٦)
  كأنّي أراها الموت لا درّ درّها ... إذا أمكنت أنيابها والبرائنا(٧)
  وقالت لأخرى خلفها وبناتها ... حتوف تنقّي مخّ من كان واهنا(٨)
  أخاليج ورّاد على ذي محافل ... إذا نزعوا مدّوا الدّلا والشّواطنا(٩)
  وقال غيره: بل خرج تأبّط شرا هو وصاحبان له، حتى أغاروا على العوص من بجيلة، فأخذوا نعما لهم، واتبعتهم العوص، فأدركوهم، وقد كانوا استأجروا لهم رجالا كثيرة، فلما رأى تأبّط شرّا ألَّا طاقة لهم بهم شمّر وتركهما، فقتل صاحباه، وأخذت النعم، وأفلت، حتى أتى بني القين من فهم، فبات عند امرأة منهم يتحدث إليها، فلما أراد أن / يأتي قومه دهنته ورجّلته، / فجاء إليهم وهم يبكون، فقالت له امرأته: لعنك اللَّه تركت صاحبيك وجئت مدّهنا، وإنه إنما قال هذه القصيدة في هذا الشأن، وقال تأبّط شرّا يرثيهما وكان اسم أحدهما عمرا:
  أبعد قتيل العوص آسى على فتى ... وصاحبه أو يأمل الزّاد طارق؟
  أأطرد فهما آخر الليل أبتغي ... علالة يوم أن تعوق العوائق(١٠)
(١) الشد الذليق: الحديد الماضي أي لم أكن مسوقا للهجوم.
(٢) حائن: هالك، وفي بعض الأصول «منبت» بمعنى متقطع بدل «مثنى» يريد أنه نحى صاحبه حين أنس منه الضعف وعدم القدرة على الشد.
(٣) حثحث: حث وحض، والمشعوف: المجنون أو المذعور، والنجاء: السير السريع، والهجف: الظليم، وقصرا هنا: وقت اختلاط النهار بالظلمة، والسمال: الماء في الحوض، وداجنا: غيثا ممطرا. يريد: أنني انبريت وحثثت جوادي على الحرب فحمل وهو مجنون السرعة كأنه ذكر نعام ظمآن رأى عند الغروب حوض ماء أو ماء مطر فعدا إليه ليشرب.
(٤) الحص: جمع أحص، وطائر أحص: قليل الريش. هزروف: سريع. العفاء: الشعر والوبر. المغابن: بواطن الأفخاذ: يشبه جواده بطائر قليل الريش، ويقول: إنه سريع العدو يطير شعره إذا استدرج الفلوات ومد أفخاذه في عدوه.
(٥) أزج: بعيد الخطو. زلوج: سريع العدو. هزرفي: كثير الحركة. زفازف: جمع زفزف بمعنى الريح. الهزف: السريع أو النافر.
الناجيات: الجياد السريعة. الصوافن: جمع صافن وهو الحصان يقف على ثلاث قوائم. يصف فرسه بما تقدم من الأوصاف، ويردفها بأنه يفوق غيره من الخيول الصافنات.
(٦) فزحزحت: تزحزحت: تجئني: مضارع مجزوم للضرورة، ولعله محرف عن «تجيء». غبراء: اسم أنثى الذئب، وعرفاء: اسم الضبع. يقول: فأفلت منهم، ولو لم أفعل للاقيت منيتي بناب ذئبة أو ضبع تنبش القبور.
(٧) لا در درها: يدعو على الضبع. والبرائن: المخالب.
(٨) مقول القول محذوف تقديره هلم ونحوه. يريد أنه إن مات تمكنت الضبع منه، وأنشبت مخالبها في جسمه، ولم تكتف بنفسها، بل دعت صواحبها وبناتها، وهن مسعورات ينقين المخ من عظام الجسم الواهن الذي لا حراك به.
(٩) أخاليج: جمع أخلج وهو الحبل. ويراد بذي المحافل البئر، والشواطن: الحبال. يقول: إن الضباع تتوافد عليه إذا مات كما تتوافد الحبال على البئر مرة بعد أخرى. وقد اختلفت الأصول في رواية هذا البيت اختلافا بينا، وأغلب الروايات لا يستقيم معه المعنى.
(١٠) طرد القوم: أتاهم، يريد: أأتعجل العودة إلى فهم آخر الليل خشية أن تعوقني العوائق، وقد خلفت صاحبي صريعين؟ وقد اختلفت