أخبار تأبط شرا ونسبه
  لعمر فتى نلتم كأنّ رداءه ... على سرحة من سرح دومة سامق(١)
  لأطرد نهبا أو نرود بفتّية ... بأيمانهم سمر القنا والعقائق(٢)
  مساعرة شعث كأنّ عيونهم ... حريق الغضا تلفى عليها الشّقائق(٣)
  فعدّوا شهور الحرم ثم تعرّفوا ... قتيل أناس أو فتاة تعانق(٤)
  محاولة قتله هو وأصحابه بالسم
  : قال الأثرم: قال أبو عمرو في هذه الرواية: وخرج تأبط شرّا يريد أن يغزو هذيلا في رهط، فنزل على الأحلّ بن قنصل - رجل من بجيلة - وكان بينهما حلف، فأنزلهم ورحّب بهم، ثم إنه ابتغى لهم الذّراريح(٥) ليسقيهم فيستريح منهم، ففطن له تأبط شرا، / فقام إلى أصحابه، فقال: إني أحب ألا يعلم أنا قد فطنّا له، ولكن سابّوه حتى نحلف ألا نأكل من طعامه، ثم أغترّه فأقتله لأنه إن علم حذرني - وقد كان مالأ ابن قنصل رجل منهم يقال له لكيز قتلت فهم أخاه - فاعتلّ(٦) عليه وعلى أصحابه فسبّوه وحلفوا ألَّا يذوقوا من طعامه ولا من شرابه، ثم خرج في وجهه، وأخذ في بطن واد فيه النّمور، وهي لا يكاد يسلم منها أحد، والعرب تسمي النمر ذا اللونين، وبعضهم يسميه السّبنتى، فنزل في بطنه وقال لأصحابه: انطلقوا جميعا فتصيّدوا، فهذا الوادي كثير الأروى، فخرجوا وصادوا، وتركوه في بطن الوادي فجاؤوا فوجدوه قد قتل نمرا وحده، وغزا هذيلا فغنم وأصاب، فقال تأبّط شرّا في ذلك:
  أقسمت لا أنسى وإن طال عيشنا ... صنيع لكيز والأحلّ بن قنصل(٧)
  نزلنا به يوما فساء صباحنا ... فإنك عمري قد ترى أيّ منزل(٨)
  بكى إذ رآنا نازلين ببابه ... وكيف بكاء ذي القليل المعيّل(٩)
  فلا وأبيك ما نزلنا بعامر ... ولا عامر ولا الرئيس ابن قوقل(١٠)
= الأصول في رواية البيت، وكلها مما لا يستقيم معه المعنى، والمثبت من ف.
(١) السرحة: الشجرة، دومة: مكان، سامق: طويل: صفة لفتى.
(٢) العقائق: جمع عقيقه بمعنى السيف الشبيه بالبرق، يقسم بصاحبه الذي قتلوه بعد أن وصفه بالطول حتى كأن ثيابه على شجرة عالية يغزو قاتليه بفتية يحملون القنا والسيوف الماضية. وفي رواية «شانق» بدل «سامق» بمعنى عظيم الرأس. وفي رواية: «الفتائق» بدل العقائق بمعنى السيوف الحديدة الشفرتين.
(٣) مساعرة: جمع مسعر بمعنى موقد لنار الحرب، وشعث: جمع أشعث بمعنى أغبر، والغضا: شجر يتخذ منه الوقود، والشقائق:
نبات أحمر. يصف هؤلاء الفتية بالمران على الحرب، وبأن حدق عيونهم تحمر احمرار الجمر في ميادين القتال.
(٤) يتهددهم بالحرب بعد انقضاء الأشهر الحرم، فيقول: إذا انقضت هذه الأشهر فعدوا قتلاكم، وعدوا فتياتكم السبايا.
(٥) الذراريح: جمع ذراح كزنار وسكين وقدوس: دويبة حمراء منقطة بسواد تطير، وهي من السموم.
(٦) فاعل اعتل ضمير تأبط شرا، عليه أي على ابن قنصل، وما بين الشرطتين اعتراض.
(٧) البيت من الطويل دخله الخرم.
(٨) في هد: فشاب صبوحنا، والصبوح: شراب الصباح. والمصراع الثاني تعجب من هذا المنزل.
(٩) المعيل: ذو العيال، والمراد أن من نزلوا به كان فقيرا معيلا، فكان بكاؤه حارا.
(١٠) في مو: «ما نزلنا بحاتم»، والمثبت من ب، ف، هد. وقوقل: أبو بطن من الأنصار، كان إذ أتاه مستجيرا قال له: قوقل في هذا الجبل - أي اصعد - فقد أمنت.