كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار تأبط شرا ونسبه

صفحة 95 - الجزء 21

  فخالط سهل الأرض لم يكدح الصّفا ... به كدحة والموت خزيان ينظر

  فأبت إلى فهم وما كنت آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر⁣(⁣١)

  إذا المرء لم يحتل وقد جدّ جدّه ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر

  ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلا ... به الأمر إلا وهو للحزم مبصر⁣(⁣٢)

  فذاك قريع الدّهر ما كان حوّلا ... إذا سدّ منه منخر جاش منخر

  فإنّك لو قايست بالَّلصب حيلتي ... بلقمان لم يقصر بي الدهر مقصر⁣(⁣٣)

  غارة ينتصر فيها على العوص

  : وقال أيضا في حديث تأبّط شرا: إنه خرج من عدّة من فهم، فيهم عامر بن الأخنس، والشّنفري، والمسيّب، وعمرو بن برّاق، ومرّة بن خليف، حتى بيتوا العوص وهم حيّ من بجيلة، فقتلوا منهم نفرا، وأخذوا لهم إبلا، فساقوها حتى كانوا من بلادهم على يوم وليلة، فاعترضت لهم خثعم وفيهم ابن حاجز، وهو رئيس القوم، وهم يومئذ نحو من أربعين رجلا، فلما نظرت إليهم صعاليك فهم قالوا لعامر بن الأخنس: ما ذا ترى؟ قال: لا أرى لكم إلَّا صدق الضّراب، فإن ظفرتم فذاك، وإن قتلتم كنتم / قد أخذتم ثأركم، قال تأبط شرّا: بأبي أنت وأميّ، فنعم رئيس القوم أنت إذا جدّ الجدّ، وإذا كان قد أجمع رأيكم على هذا فإني أرى لكم أن تحملوا على القوم حملة واحدة فإنكم قليل والقوم كثير، ومتى افترقتم كثركم القوم، فحملوا عليهم فقتلوا منهم في حملتهم، فحملوا ثانية فانهزمت خثعم وتفرقت، وأقبل ابن حاجز فأسند في الجبل فأعجز، فقال تأبط شرّا في ذلك:

  جزى اللَّه فتيانا على العوص أمطرت ... سماؤهم تحت العجاجة بالدّم

  وقد لاح ضوء الفجر عرضا كأنه ... بلمحته إقراب أبلق أدهم⁣(⁣٤)

  فإنّ شفاء الداء إدراك ذحلة ... صباحا على آثار حوم عرمرم⁣(⁣٥)

  / وضاربتهم بالسفح إذ عارضتهم ... قبائل من أبناء قسر وخثعم⁣(⁣٦)

  ضرابا عدا منه ابن حاجز هاربا ... ذرا الصّخر في جوف الوجين المديّم⁣(⁣٧)

  وقال الشّنفري في ذلك:

  دعيني وقولي بعد ما شئت إنّني ... سيغدى بنعشي مرة فأغيّب


(١) الضمير في مثلها يعود إلى الورطة المفهومة من المقام، وقوله: وهي تصفر كناية عن الندم.

(٢) ف: «به الخطب إلا وهو للقصد مبصر».

(٣) اللصب: الشعب في الجبل، ولقمان: صاحب قصة النسور المشهورة في إطالة العمر. يريد أن هذه الحيلة لو قيست بحيلة لقمان، ما قصر عمره مقصر. وفي ب «قاسيت» بدل «قاسيت»، «لحيان» بدل «لقمان».

(٤) أقرب المهر: دنا، والأبلق: ما فيه بياض وسواد، والأدهم: الأسود، يريد أن ضوء الفجر دنا في الليل دنو فرس اختلط سواده ببياضه.

(٥) الحوم: الجماعة، والعرمرم: الكثير، والذحلة: الثأر.

(٦) قسر أو نسر - كما في بعض الأصول - وخثعم: قبيلتان.

(٧) الوجين: شط الوادي، المديم: الممطور، وابن حاجز: اسم رجل، ومنعه من الصرف للضرورة.