أخبار تأبط شرا ونسبه
  فلم تر من رأي فتيلا وحاذرت ... تأيّمها من لابس الليل أروعا(١)
  قليل غرار النّوم أكبر همّه ... دم الثّأر أو يلقى كميا مقنّعا(٢)
  قليل ادّخار الزّاد إلَّا تعلَّة ... وقد نشز الشّر سوف والتصق المعي(٣)
  / تناضله كلّ يشجّع نفسه ... وما طبّه في طرقه أن يشجّعا(٤)
  يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه ... ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا(٥)
  رأين فتى لا صيد وحش يهمّه ... فلو صافحت إنسا لصافحنه معا(٦)
  ولكنّ أرباب المخاض يشقّهم ... إذا افتقدوه أو رأوه مشيّعا(٧)
  وإني - ولا علم - لأعلم أنني ... سألقى سنان الموت يرشق أضلعا(٨)
  على غرّة أو جهرة من مكاثر ... أطال نزال الموت حتى تسعسعا(٩)
  - تسعسع: فني وذهب. يقال: قد تسعسع الشّهر، ومنه حديث عمر ¥ حين ذكر شهر رمضان فقال: «إن هذا الشهر قد تسعسع» -
  وكنت أظن الموت في الحي أو أرى ... ألذّ وأكرى أو أموت مقنّعا(١٠)
  ولست أبيت الدّهر إلا على فتى ... أسلَّبه أو أذعر السرب أجمعا(١١)
  ومن يضرب الأبطال لا بدّ أنه ... سيلقى بهم من مصرع الموت مصرعا(١٢)
(١) الفتيل: الخيط في شق النواة، ولابس الليل: كثير الغارات ليلا، وأروع: ذكي الفؤاد، أو يعجب بشجاعته، يريد أنها لم تعر عرض الزواج منها التفاتا خشية أن تصبح أيما منه.
(٢) غرار النوم: النوم الخفيف، وكميا مقنعا: شجاعا ملثما.
(٣) الشرسوف: الطرف اللين من الضلع مما يلي البطن، والمعي: واحد الأمعاء، يريد أنه دائم الطوى، حتى لتبرز أضلاعه، وتلتصق أمعاؤه بعضها ببعض، لخلوها من الطعام.
(٤) ف: «تنازله» بدل «تناضله»، ولعل المراد: تناضله نفسه، وطرق: جمع طريق أي أنه لا يحتاج إلى مشجع حين يسلك الطرق المخوفة، بخلاف الناس.
(٥) المغنى: المقام: يريد أنه ألف الوحوش وألفته، فهو يبيت معها آمنا، فإذا أصبح أغار عليها.
(٦) ضمير «رأين» للوحوش، أي أنها تحبسه لا يهمه صيد الوحوش، فتكاد تصافحه.
(٧) ف: «مسمعا» بدل «مشيعا». ويشقهم: يؤرقهم، يريد أن الوحوش تأنس به، ولكن أرباب الإبل يخشونه على إبلهم، فهم يفزعون حين يفتقدونه فلا يجدونه، أو حين يرونه مشيعا إلى رحلة.
(٨) ولا علم أي لي، والجملة اعتراضية، يرشق أضلعا يرى أضلعه، كناية عن الموت. وفي هد «يبرق أضلعا» وفي ف: «وإني إن عمرت».
(٩) غرة: غفلة، مكاثر: كثير الغارات: يعني نفسه.
(١٠) كنت أظن الموت في الحي: كنت أعدني ميتا ما لبثت في الحي. أكرى: أزيد. المقنع: من يلبس البيضة على رأسه. يقول: إنني في عداد الأموات ما أقمت في موطن، حتى أخرج للغزو. فأتلذذ به، وأزيد متعة، أو أموت وعلى رأسي بيضة.
(١١) يقول: لا يقر قراري إلا إذا أصبت فردا أفوز بسلبه، أو أغرت على سرب من الحيوان لأصيده فيذعر عند رؤيتي، أي أنني أقضي حياتي بين صيد وقنص.
(١٢) من في البيت: موصولة لا شرطية.