كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار تأبط شرا ونسبه

صفحة 99 - الجزء 21

  عود إلى فراره وترك صاحبيه

  : قال: وخرج تأبط شرّا ومعه صاحبان له: عمرو بن كلاب أخو المسيّب، وسعد بن الأشرس وهم يريدون العارة على بجيلة فنذروا بهم، وهم في جبل ليس لهم طريق عليهم فأحاطوا بهم وأخذوا عليهم الطَّريق، فقاتلوهم فقتل صاحبا تأبّط شرا ونجا، ولم يكد حتى أتى قومه. فقالت له امرأته وهي أخت عمرو بن كلاب إحدى نساء كعب بن علي بن إبراهيم بن رياح: هربت عن أخي وتركته وغررته، أما واللَّه لو كنت كريما لما أسلمته، فقال تأبط شرّا في ذلك:

  ألا تلكما عرسي منيعة ضمّنت ... من اللَّه خزيا مستسرّا وعاهنا⁣(⁣١)

  وذكر باقي الأبيات.

  وإنما دعا امرأته إلى أن عيّرته أنه لمّا رجع بعد مقتل صاحبيه انطلق إلى امرأة كان يتحدث عندها، وهي من بني القين بن فهم، فبات عندها، فلما أصبح غدا إلى امرأته وهو مدّهن مترجّل، فلما رأته في تلك الحال علمت أين بات، فغارت عليه فعيّرته.

  يغير على خثعم

  : وذكروا أن تأبط شرّا أغار على خثعم، فقال كاهن لهم: أروني أثره حتى آخذه لكم فلا يبرح حتى تأخذوه، فكفئوا على أثره جفنة، ثم أرسلوا إلى الكاهن فلما رأى أثره قال: هذا ما لا يجوز في صاحبه الأخذ، فقال تأبط شرا:

  ألا أبلغ بني فهم بن عمرو ... على طول التّنائي والمقالة⁣(⁣٢)

  مقال الكاهن الجاميّ لمّا ... رأى أثري وقد أنهبت ماله⁣(⁣٣)

  / رأى قدميّ وقعهما حثيث ... كتحليل الظليم دعا رئاله⁣(⁣٤)

  أرى بهما عذابا كلّ عام ... لخثعم أو بجيلة أو ثماله⁣(⁣٥)

  / وشرّ كان صبّ على هذيل ... إذا علقت حبالهم حباله⁣(⁣٦)

  ويوم الأزد منهم شرّ يوم ... إذا بعدوا فقد صدّقت قاله⁣(⁣٧)

  فزعموا أن ناسا من الأزد ربئوا لتأبط شرا ربيئة⁣(⁣٨) وقالوا: هذا مضيق ليس له سبيل إليكم من غيره، فأقيموا فيه حتى يأتيكم، فلما دنا من القوم توجس، ثم انصرف، ثم عاد فنهضوا في أثره حين رأوه لا يجوز، ومر قريبا فطمعوا فيه، وفيهم رجل يقال له حاجز؛ ليث من ليوثهم سريع، فأغروه به فلم يلحقه، فقال تأبط شرّا في ذلك:


(١) تقدم شرح هذا البيت.

(٢) يريد على طول التنائي وطول طريق الرسالة التي يريد إبلاغها إليهم.

(٣) أنهبت «بالبناء للمجهول»، وما له مفعول ثان.

(٤ - ٥) تقدم هذان البيتان وشرحهما.

(٦) ضمير حباله يعود على الكاهن، يريد أن هذيلا لو استعانت بالكاهن أيضا ما أجداها ذلك.

(٧) القال هنا بمعنى القول، والضمير في قاله يعود على الكاهن.

(٨) ربئوا له ربيئة: أقاموا عليه جاسوسا.