أخبار تأبط شرا ونسبه
  شر أيامه
  : وشرّ يوم لقيت أنّي خرجت، حتى إذا كنت في بلاد ثمالة أطوف، حتى إذا كنت من القفير(١) عشيّا إذا أنا بسبع خلفات(٢) فيهن عبد، فأقبلت نحوه، وكأنّي لا أريده وحذرني فجعل يلوذ بناقة فيها حمراء، فقلت في نفسي: واللَّه إنه ليثق بها. فأفوّق له، ووضع رجله في أرجلها وجعل يدور معها، فإذا هو على عجزها. وأرميه حين أشرف فوضعت سهمي في قلبه فخرّ، وندّت الناقة شيئا وأتبعتها فرجعت فسقتهنّ شيئا ثم قلت: واللَّه لو ركبت الناقة وطردتهنّ، وأخذت بعثنون(٣) الحمراء فوثبت، فساعة استويت عليها كرّت نحو الحيّ تريع وتبعتها الخلفات، وجعلت أسكَّنها وذهبت، فلمّا خشيت أن تطرحني في أيدي القوم رميت بنفسي عنها، فانكسرت رجلي، وانطلقت والذّود(٤) معها. فخرجت أعرّج، حتى انخنست(٥) في طرف كثيب وجازني الطَّلب، / فمكثت مكاني حتى أظلمت، وشبّت لي ثلاثة أنوار فإذا نار عظيمة ظننت أن لها أهلا كثيرا، ونار دونها، ونويرة صغيرة، فهويت للصّغرى، وأنا أجمر(٦)، فلما نبحني الكلب نادى رجل فقال: من هذا؟ فقلت: بائس، فقال: ادنه، فدنوت وجلست وجعل يسائلني، إلى أن قال: واللَّه إني لأجد منك ريح دم. فقلت: لا واللَّه، ما بي دم. فوثب إليّ فنفضني، ثم نظر في جعبتي فإذا السهم، فقلت: رميت العشيّة أرنبا فقال كذبت، هذا ريح دم إنسان، ثم وثب إليّ ولا أدفع الشّرّ عن نفسي فأوثقني كتافا، ثم علَّق جعبتي وقوسي، وطرحني في كسر البيت ونام، فلما أسحرت حرّكت رجلي، فإذا هي صالحة وانفتل الرّباط فحللته، ثم وثبت إلى قوسي وجعبتي فأخذتهما ثم هممت بقتله فقلت: أنا(٧) ضمن الرّجل، وأنا أخشى أن أطلب فأدرك ولم أقتل أحدا أحب إلي، فولَّيت ومضيت. فو اللَّه إني لفي الصّحراء أحدّث نفسي إذا أنا به على ناقة يتبعني، فلمّا رأيته قد دنا مني جلست على قوسي وجعبتي وأمنته، وأقبل فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم أقبل إليّ، وعهده بي عهده، فقلت له: ويلك، ما تريد منّي؟ فأقبل يشتمني، حتى إذا أمكنني، وثبت عليه فما ألبثته أن ضربت به الأرض، وبركت عليه أربطه، فجعل يصيح: يا لثمالة، لم أر كاليوم. فجنبته إلى ناقته وركبتها، فما نزعت حتّى أحللته في الحيّ، وقلت:
  أغرّك منّي يا بن فعلة علَّتي ... عشيّة أن رابت عليّ روائبي(٨)
  وموقد نيران ثلاث فشرّها ... وألأمها إذ قدتها غير عازب(٩)
  سلبت سلاحي بائسا وشتمتني ... فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب(١٠)
(١) القفير: علم على الماء.
(٢) الخلفات: جمع خلفة، وهي الناقة الحامل.
(٣) العثنون: شعيرات طوال تحت حنك الناقة أو البعير.
(٤) الذود: جماعة الإبل.
(٥) انخنس: تأخر، أي التجأ إلى طرف الكثيب.
(٦) يجمر: يشب كالجواد في القيد لأنه كان مصابا في رجله.
(٧) ضمن الرجل، يقال: جواد ضمن: متلكئ لا يسير إلا بالضرب.
(٨) فعلة: كناية عن اسم أم من يسبه. الروائب: جمع رائبة أي الحادثة المؤذية.
(٩) غير عازب: غير منصرف عنها، وفي «المختار»: «وألأمها أو قدتها غير عازب». بدل «إذ قدتها ...».
(١٠) في «المختار»:
«سللت سلاحي ...»
بدل
«سلبت ...»