أخبار تأبط شرا ونسبه
  /
  فإن أك لم أخضبك فيها فإنّها ... نيوب أساويد وشول عقارب(١)
  ويا ركبة الحمراء شرّة ركبة ... وكادت تكون شرّ ركبة راكب(٢)
  مخاتلة يظفر فيها
  : قال: وخرج تأبّط غازيا يريد الغارة على الأزد في بعض ما كان يغير عليهم وحده، فنذرت به الأزد، فأهملوا له إبلا، وأمروا ثلاثة من ذوي بأسهم: حاجز بن أبيّ، وسواد بن عمرو بن مالك، وعوف بن عبد اللَّه، أن يتبعوه حتّى ينام فيأخذوه أخذا، فكمنوا له مكمنا، وأقبل تأبّط شرّا فبصر بالإبل، فطردها بعض يومه. ثم تركها ونهض في شعب لينظر: هل يطلبه أحد؟ فكمن القوم حين رأوه ولم يرهم، فلمّا لم ير أحدا في أثره عاود الإبل فشلَّها(٣) يومه وليلته والغد حتى أمسى، ثم عقلها، وصنع طعاما فأكله، والقوم ينظرون إليه في ظله، ثم هيّأ مضطجعا على النّار، ثم أخمدها وزحف على بطنه ومعه قوسه، حتى دخل بين الإبل، وخشي أن يكون رآه أحد وهو لا يعلم، ويأبى إلا الحذر والأخذ بالحزم، فمكث ساعة وقد هيّأ سهما على كبد قوسه، فلما أحسّوا نومه أقبلوا ثلاثتهم يؤمّون المهاد الذي رأوه هيّأه، فإذا هو يرمي أحدهم فيقتله، وجال الآخران، ورمى آخر فقتله، وأفلت حاجز هاربا، وأخذ سلب الرّجلين، وأطلق عقل الإبل وشلَّها حتى جاء بها قومه، وقال تأبّط في ذلك:
  ترجّي نساء الأزد طلعة ثابت ... أسيرا ولم يدرين كيف حويلي(٤)
  / فإنّ الألى أوصيتم بين هارب ... طريد ومسفوح الدّماء قتيل(٥)
  وخدت بهم حتى إذا طال وخدهم ... وراب عليهم مضجعي ومقيلي(٦)
  مهدت لهم حتى إذا طاب روعهم ... إلى المهد خاتلت الضّيا بختيل(٧)
  فلما أحسّوا النّوم جاؤوا كأنّهم ... سباع أصابت هجمة بسليل(٨)
  فقلَّدت سوّار بن عمرو بن مالك ... بأسمر جسر القذّتين طميل(٩)
  فخرّ كأنّ الفيل ألقى جرانه ... عليه بريّان القواء أسيل(١٠)
(١) فيها: الضمير يعود على السلاح، وهو يذكر ويؤنث. والأساويد: الجيات. وشول العقارب: العقارب رافعة أذنابها.
(٢) يريد بالحمراء، الناقة التي كانت سببا في إصابة رجله. وفي «المختار»:
«لقد كدت ألقي بعدها غير راكب»
(٣) شل الإبل: طردها.
(٤) الحويل: الاحتيال والمهارة.
(٥) في «المختار»:
«فإن الألى أوصيتهم بين هارب»
(٦) الوخد: ضرب من السير، وراب عليهم: التبس عليهم. ومقيلي: موضع راحتي عند القيلولة. وفي «المختار»:
«وطال عليهم مضجعي ومقيلي»
بدل
«وراب عليهم»
(٧) في بعض النسخ:
«طال روعهم»
ونرجح أنها «طاب» لا «طال». والروع: القلب، كناية عن الاطمئنان، وخاتلت: خادعت، وفي بعض بعض النسخ أيضا: «الصبا» بدل «الضيا» ولعل المراد: أنه خدعهم نهارا، والمعنى الإجمالي للبيت غير خاف.
(٨) السليل: وسط الوادي، أو جرى الماء فيه.
(٩) الأسمر: يريد السهم، والجسر: الضخم، والقذة: ريش السهم، والطميل: العريض النصل، يريد أنه أضحى سوارا بسهم هذه صفته، وفي «المختار»:
... جسر القذتين طويل»
(١٠) الجران: مقدم العنق، والقواء: الأرض القفر، والأسيل: المستوى الأملس أي خر لا حراك به كأن الفيل أنحى عليه بعنقه فوق أرض قفراء ملساء مخضلة بالماء، وكل هذه الصفات مما يزيد التصاقه بالأرض، بل غوصه فيها، وفي «المختار»:
«عليه بثرثار القواء ...
إلخ «