أخبار تأبط شرا ونسبه
  وإن تقع النّسور عليّ يوما ... فلحم المعتفي لحم كريم(١)
  وذي رحم أحال الدّهر عنه ... فليس له لذي رحم حريم(٢)
  أصاب الدّهر آمن مروتيه ... فألقاه المصاحب والحميم(٣)
  مددت له يمينا من جناحي ... لها وفر وكافية رحوم(٤)
  أواسيه على الأيّام إني ... إذا قعدت به اللَّؤما ألوم(٥)
  موت أخيه عمرو
  : ذكروا أنه لما انصرف الناس عن المستغلّ(٦)؛ وهي سوق كانت العرب تجتمع بها، قال عمرو بن جابر بن سفيان أخو تأبط شرّا لمن حضر من قومه: لا واللات والعزّى لا أرجع حتى أغير على بني عتير من هذيل، ومعه رجلان من قومه هو ثالثهما، فأطردوا إبلا لبني عتير فأتبعهم أرباب الإبل، فقال عمرو: أنا كارّ على القوم ومنهنهم(٧) عنكما، فامضيا بالإبل. فكرّ عليهم فنهنهم طويلا، فجرح في القوم رئيسا، ورماه رجل من بني عتير بسهم فقتله، فقالت بنو عتير: هذا عمرو بن جابر، ما تصنعون / أن(٨) تلحقوا بأصحابه؟ أبعدها اللَّه من إبل، فإنا نخشى أن نلحقهم فيقتل القوم منا، فيكونوا قد أخذوا الثّأر، فرجعوا ولم يجاوزوه. وكانوا يظنّون أن معه أناسا كثيرا، فقال تأبّط لمّا بلغه قتل أخيه:
  وحرّمت النساء وإن أحلَّت ... بشور أو بمزج أو لصاب(٩)
  حياتي أو أزور بني عتير ... وكاهلها بجمع ذي ضباب(١٠)
  إذا وقعت لكعب أو خثيم ... وسيار يسوغ لها شرابي(١١)
  أظنّي ميّتا كمدا ولمّا ... أطالع طلعة أهل الكراب(١٢)
  ودمت مسيّرا أهدي رعيلا ... أؤم سواد طود ذي نقاب(١٣)
(١) المعتفي: الرائد، أو طالب الفضل.
(٢) أحال الدهر عنه: تحول عنه، أي أحنى عليه، فليس له لذي رحم حريم، أي لم تعد له حرمة عند أقاربه.
(٣) المروة: جبل بمكة. يريد بآمن مرونين آمن حصنية.
(٤) رحوم: كثير الرحمة، مثل رحيم، يريد أنه لم يقصر في مواساته.
(٥) يريد: إذا تنكر له اللؤما - مقصور اللؤماء - وفي هج «اللؤمي».
(٦) هج: «المسقل» بدل «المستغل».
(٧) نهنهم: زجرهم وردهم.
(٨) ما تصنعون أن تلحقوا: بأن تلحقوا، يريد، لا فائدة باللحاق بهم.
(٩) الشور: العسل، والمزج: نوع منه أيضا. والصاب: شجر مر، ولعل المعنى: حرمت على نفسي النساء الحلال، سواء كانت عسلا أو صابا.
(١٠) الكاهل: مقدم الظهر مما يلي العنق، يريد: أبذل حياتي، أو أغزو عتيرا التي قتلت أخاه، ويتوغل في غزوها حتى يقف على كاهلها بجمع كثيف كأنه الغبار الذي يكتنفه ضباب.
(١١) فاعل وقعت محذوف، تقديره المنية، أي إذا أوقعت بهؤلاء يحل لها شرابي، وضمير لها يعود على حياتي.
(١٢) الكراب: مجاري الماء في الوادي.
(١٣) رعيلا، أي جماعة من الفرسان، يقول: أظنني ميتا إن لم أغزهم، وأظل أسوق إليهم الفرسان تخترق كل جبل تغطيه السحب.