كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار تأبط شرا ونسبه

صفحة 106 - الجزء 21

  فأجابه أنس بن حذيفة الهذليّ:

  لعلَّك أن تجيء بك المنايا ... تساق لفتية منا غضاب

  فتنزل في مكرّهم صريعا ... وتنزل طرقة الضّبع السّغاب⁣(⁣١)

  تأبّط سوأة وحملت شرّا ... لعلك أن تكون من المصاب⁣(⁣٢)

  أخوه السمع يثأر لأخيه عمرو

  : ثم أن السّمع بن جابر أخا تأبّط شرّا خرج في صعاليك من قومه يريد الغارة على بني عتير ليثأر بأخيه عمرو بن جابر، حتى إذا كان ببلاد هذيل لقي راعيا لهم، فسأله عنهم، فأخبره بأهل بيت من عتير كثير مالهم، فبيّتهم، فلم يفلت منهم مخبر، واستاقوا أموالهم، فقال في ذلك السّمع بن جابر:

  بأعلى ذي جماجم أهل دار ... إذا ظعنت عشيرتهم أقاموا⁣(⁣٣)

  طرقتهم بفتيان كرام ... مساعير إذا حمي المقام

  متى ما أدع من فهم تجبني ... وعدوان الحماة لهم نظام⁣(⁣٤)

  إصابته في غارة على الأزد

  : ذكروا أن تأبّط شرّا خرج ومعه مرّة بن خليف يريدان الغارة على الأزد، وقد جعلا الهداية بينهما، فلما كانت هداية مرّة نعس، فجار عن الطريق، ومضيا حتى وقعا بين جبال ليس فيها جبل متقارب، وإذا فيها مياه يصيح الطير عليها؛ وإذا البيض والفراخ بظهور الأكم، فقال تأبّط شرا: هلكنا واللَّات يا مرّة، ما وطئ هذا المكان إنس قبلنا، ولو وطئته إنس ما باضت الطَّير بالأرض، فاختر أية هاتين القنّتين شئت، وهما أطول شيء يريان من الجبال، فأصعد إحداهما وتصعد أنت الأخرى، فإن رأيت الحياة فألح بالثوب، وإن رأيت والموت فألح بالسيف، فإني فاعل مثل ذلك، فأقاما يومين. ثم إن تأبط شرّا ألاح بالثّوب، وانحدرا حتى التقيا في سفح الجبل، فقال مرّة: ما رأيت يا ثابت؟ قال: دخانا أو جرادا. قال مرّة: إنك إن جزعت منه هلكنا، فقال تأبّط شرّا: أما أنا فإنّي سأخرم بك من حيث تهتدي الريح، فمكثا بذلك يومين وليلتين، ثم تبعا الصّوت، فقال تأبط شرّا: النّعم والنّاس. أما واللَّه لئن عرفنا لنقتلنّ، ولئن أغرنا / لندركنّ، فأت الحيّ من طرف وأنا من الآخر، ثم كن ضيفا ثلاثا، فإن لم يرجع إليك قلبك فلا رجع، ثم أغر على ما قبلك إذا تدلَّت الشمس فكانت قدر قامة، وموعدك الطريق. ففعلا، حتى إذا كان اليوم الثالث⁣(⁣٥) أغار كل واحد منهما على ما يليه، فاستاقا النعم والغنم، وطردا يوما وليلة طردا عنيفا حتى أمسيا الليلة الثانية⁣(⁣٥) دخلا شعبا، فنحرا قلوصا، فبينا هما يشويان إذا سمعا حسّا على باب الشّعب، فقال تأبط: الطَّلب يا مرّة،


(١) مكرهم: موضع الكر، أي الميدان. السغاب: الجياع.

(٢) السوأة: العورة، وفي البيت التفاف من الغيبة إلى الخطاب، وقوله من المصاب أي من النفر المصاب، وقد وردت كذلك في الأصول، ولعلها مع المصاب، ويعني بالمصاب أخاه، أي لعلك تلحق به.

(٣) بأعلى ذي جماجم: يريد الجبل الذي ينزلون به.

(٤) متى ما أدع: متى ما أدعهم، وعدوان الحماة لهم نظام: جملة حالية، أي عداوة الأبطال نظامهم، ونرجح أن الحماة تحريف الحياة، أي يجيبونني وهم يكرهون الحياة ويحبون الموت. وفي «المختار»: متى ما أدع في فهم بدل «من فهم» وفيه: «وعدوان الكرام لهم نظام» بدل «وعدوان الحماة».

(٥ - ٥) ساقط من نسخ «الأغاني» والزيادة عن «المختار».