أخبار تأبط شرا ونسبه
  /
  ألا عجب الفتيان من أمّ مالك ... تقول: أراك اليوم أشعث أغبرا
  تبوعا لآثار السّريّة بعد ما ... رأيتك برّاق المفارق أيسرا(١)
  فقلت لها: يومان يوم إقامة ... أهزّ به غصنا من البان أخضرا
  ويوم أهزّ السّيف في جيد أغيد ... له نسوة لم تلق مثلي أنكرا(٢)
  يخفن عليه وهو ينزع نفسه ... لقد كنت أبّاء الظلامة قسورا(٣)
  وقد صحت في آثار حوم كأنها ... عذارى عقيل أو بكارة حميرا(٤)
  أبعد النّفاثيّين آمل طرقة ... وآسى على شيء إذا هو أدبرا(٥)
  أكفكف عنهم صحبتي وإخالهم ... من الذلّ يعرا بالتّلاعة أعفرا(٦)
  فلو نالت الكفّان أصحاب نوفل ... بمهمهة من بطن ظرء فعرعرا(٧)
  ولمّا أبى الليثيّ إلا تهكَّما ... بعرضي وكان العرض عرضي أو فرا(٨)
  فقلت له: حقّ الثناء فإنني ... سأذهب حتى لم أجد متأخّرا(٩)
  ولما رأيت الجهل زاد لجاجة ... يقول فلا يألوك أن تنشوّرا(١٠)
  / دنوت له حتى كأنّ قميصه ... تشرّب من نضح الأخادع عصفرا(١١)
  فمن مبلغ ليث بن بكر بأننّا ... تركنا أخاهم يوم قرن معفّرا(١٢)
  قال: غزا تأبط بني نفاثة بن الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهم خلوف، ليس في دارهم رجل، وكان الخبر قد أتى تأبط، فأشرف فوق جبل ينظر إلى الحيّ وهم أسفل منه، فرأته امرأة فطرح نفسه، فعلمت المرأة أنه تأبّط، وكانت عاقلة، فأمرت النّساء فلبسن لبسة الرجال، ثم خرجن كأنهن يطلبن الضّالَّة، وكان أصحابه يتفلتون ويقولون: أغز، وإنما كان في سرية من بين السّتّة إلى السبعة، فأبى أن يدعهم، وخرج يريد هذيلا، وانصرف عن النّفاثيّين، فبينا هو يتردد في تلك الجبال إذ لقي حليفا له من هذيل، فقال له: العجب لك يا تأبط، قال: وما هو؟
(١) الأيسر: اللين السهل.
(٢) في ف: «في جيد شادن».
(٣) القسور: الليث.
(٤) الحوم: القطيع من الإبل، يشبهه بالعذارى والأبكار لجمال إبله.
(٥) آمل طرقة: اتجه إلى طريق، يقرع نفسه على خوفه من نساء النفاثيين.
(٦) اليعر: الجدي، والتلاعة: ماء لبني كنانة، والأعفر: ما خالط بياضه حمرة، يقول: خفتهم، ولا أخالهم بعد معرفة خديعتهم إلا في ذلة الجدي الأعفر.
(٧) لو للتمني. وظرء، وعرعر: مكانان.
(٨) الليثي، يريد به الغلام الليثي الذي منعه شعرة من الإبل.
(٩) حق الثناء: لعل ذلك من باب التهكم بالغلام، أو المراد بالثناء الذم، لأن الثناء يطلق على الذم كما يطلق على المدح.
(١٠) تشور الرجل: فعل فعلا قبيحا أي أن الغلام لم يقصر في فعل القبيح.
(١١) الأخدع: عرق متصل بالوريد، والعصفر: نبت أحمر، كناية عن سيلان دمه على قميصه.
(١٢) قرن: مكان.