أخبار تأبط شرا ونسبه
  قال: إن رجال بني نفاثة كانوا خلوفا فمكرت بك امرأة، وأنهم قد رجعوا.
  ففي ذلك يقول:
  ألا عجب الفتيان من أمّ مالك ... تقول: لقد أصبحت أشعث أغبرا
  وذكر باقي الأبيات المتقدّمة.
  وقال غيره: لا بل قال هذه القصيدة في عامر بن الأخنس الفهميّ، وكان من حديث عامر بن الأخنس أنه غزا في نفر، بضعة وعشرين رجلا، فيهم عامر بن الأخنس، وكان سيّدا فيهم، وكان إذا خرج في غزو رأسهم، وكان يقال له سيّد الصعاليك، فخرج بهم حتى باتوا على بني نفاثة بن عدي بن الدّيل ممسين، ينتظرون أن ينام الحيّ، حتى إذا كان في سواد الليل مر بهم راع من الحي قد أغدر، فمعه غديرته(١) يسوقها / فبصر بهم وبمكانهم، فخلى الغديرة وتبع الضّراء ضراء(٢) الوادي، حتى جاء الحي فأخبرهم بمكان القوم وحيث رآهم، فقاموا فاختاروا: فتيان الحي فسلحوهم، وأقبلوا نحوهم، حتى إذا دنوا منهم قال رجل من النّفاثيّين: واللَّه ما قوسي بموترة(٣). فقالوا:
  فأوتر قوسك، فوضع قوسه فأوترها، فقال تأبط لأصحابه:
  اسكتوا، واستمع فقال: أتيتم واللَّه، قالوا: وما ذلك؟ قال: أنا واللَّه أسمع حطيط وترقوس. قالوا: واللَّه ما نسمع شيئا، قال: بلى واللَّه إني لأسمعه، يا قوم النّجاء، قالوا: لا واللَّه ما سمعت شيئا، فوثب فانطلق وتركهم، ووثب معه نفر، وبيّتهم(٤) بنو نفاثة فلم يفلت منهم إنسان، وخرج هو وأصحابه الذين انطلقوا معه، وقتل تلك الليلة عامر بن الأخنس.
  قال ابن عمير: وسألت أهل الحجاز عن عامر بن الأخنس، فزعموا أنه مات على فراشه.
  فلما رجع تأبّط قالت له امرأته: تركت أصحابك، فقال حينئذ:
  ألا عجب الفتيان من أمّ مالك ... تقول: لقد أصبحت أشعث أغبرا
  مصرعه على يد غلام دون المحتلم
  : فلما رجع تأبّط وبلغه ما لقي أصحابه قال: واللَّه ما يمسّ رأسي غسل ولا دهن حتى أثأر بهم. فخرج في نفر من قومه، حتى عرض لهم بيت من هذيل بين صوى(٥) جبل، فقال: اغنموا هذا البيت أولا، قالوا: لا واللَّه، ما لنا فيه أرب، ولئن كانت / فيه غنيمة ما نستطيع أن نسوقها. فقال: إني أتفاءل أن أنزل، ووقف، وأتت به ضبع من يساره، فكرهها، وعاف(٦) على غير الذي رأى، فقال: أبشري أشبعك من القوم غدا. فقال له أصحابه: ويحك، انطلق، فو اللَّه ما نرى أن نقيم عليها. قال: لا واللَّه لا أريم حتى أصبح. وأتت به ضبع عن يساره فقال: أشبعك من القوم غدا. فقال أحد القوم: واللَّه إني أرى هاتين(٧) غدا بك، فقال: لا واللَّه
(١) الغديرة: الناقة يتركها الراعي.
(٢) الضراء: الشجر الملتف في الوادي، أو أرض مستوية تأويها السباع، وبها نبذ من الشجر.
(٣) أي يسمع صوت وضع الوتر في القوس.
(٤) بيتوهم: دهموهم ليلا.
(٥) الصوى: جمع صوة، وهي علامة يهتدى بها في الطريق، أو ما غلظ وارتفع من الأرض.
(٦) يقال: عاف الطير: زجرها بمعنى اعتبر بأسمائها ومساقطها وأنوائها فسعد أو تشاءم، والمراد أنه تطير من مرور الضبع عن يساره.
(٧) لعل المراد: إني أرى هاتين ذاهبتين غدا بك، أو تكون كلمة «غدا» تحريف «غدرتا».