أخبار تأبط شرا ونسبه
  لا أريم(١) حتى أصبح. فبات، حتى إذا كان في وجه الصبح، وقد رأى أهل البيت وعدّهم على النار، وأبصر سواد غلام من القوم دون المحتلم، وغدوا على القوم، فقتلوا شيخا وعجوزا، وحازوا جاريتين وإبلا. ثم قال تأبّط: إني قد رأيت معهم غلاما؛ فأين الغلام الذي كان معهم؟ فأبصر أثره فاتّبعه، فقال له أصحابه: ويلك دعه فإنك لا تريد منه شيئا، فاتّبعه، واستتر الغلام بقتادة(٢) إلى جنب صخرة، وأقبل تأبّط يقصّه(٣) وفوّق الغلام سهما حين رأى أنه لا ينجيه شيء، وأمهله حتى إذا دنا منه قفز قفزة، فوثب على الصّخرة، وأرسل السهم، فلم يسمع تأبّط إلا الحبضة(٤) فرفع رأسه، فانتظم السهم قلبه، وأقبل نحوه وهو يقول: لا بأس، فقال الغلام: لا بأس، واللَّه لقد وضعته حيث تكره، وغشية تأبّط بالسيف وجعل الغلام يلوذ بالقتادة، ويضربها تأبط بحشاشته(٥)، فيأخذ ما أصابت الضّربة منها، حتى خلص إليه، فقتله، ثم نزل إلى / أصحابه يجر رجله، فلما رأوه وثبوا، ولم يدروا ما أصابه، فقالوا: مالك؟ فلم ينطق، ومات في أيديهم، فانطلقوا وتركوه، فجعل لا يأكل منه سبع ولا طائر إلا مات، فاحتملته هذيل، فألقته في غار يقال له غار رخمان، فقالت ريطة أخته وهي يومئذ متزوجة في بني الدّيل:
  نعم الفتى غادرتم برخمان ... ثابت بن جابر بن سفيان(٦)
  وقال مرّة بن خليف يرثيه:
  إن العزيمة والعزّاء قد ثويا ... أكفان ميت غدا في غار رخمان(٧)
  إلَّا يكن كرسف كفّنت جيّده ... ولا يكن كفن من ثوب كتّان(٨)
  فإن حرّا من الأنساب ألبسه ... ريش الندى، والنّدى من خير أكفان(٩)
  وليلة رأس أفعاها إلى حجر ... ويوم أور من الجوزاء رنّان(١٠)
  أمضيت أول رهط عند آخره ... في إثر عادية أو إثر فتيان(١١)
  وقالت أم تأبط ترثيه:
  وابناه وابن اللَّيل(١٢)
(١) لا أريم: لا أنتقل.
(٢) القتاد: شجر معروف.
(٣) يقصه: يقتفي أثره.
(٤) الحبضة: نبضة السهم عند انطلاقه.
(٥) الحشاشة: بقية الروح في الجريح أو المريض.
(٦) رخمان، بضم الراء كما في «القاموس»، فقد ذكرها، وأشار إلى أن تأبط شرا قتل فيها، وفي ف: «رجمان». والبيت من السريع، وثابت بدل من الفتى، ونوّن للضرورة.
(٧) العزاء: السنة الشديدة، ولا مكان لها هنا، فلعله يعني الغراء مؤنث الأغر، أي إن العزيمة والنفس الغراء قد ثويا ... إلخ.
(٨ - ٩) الكرسف: القطن: يقول: إن لم تكفن في قطن أو كتان فقد كفنت في ثياب المجد والكرم.
(١٠) رأس أفعاها إلى حجر: لعله كناية عن عدم انزوائها في حجرها، فهي متهيئة للدغ، وأور: جمع أوار بمعنى الحر الشديد، والجوزاء: برج في السماء، ولعلها كانت رمزا لاشتداد الحرارة عند العرب.
(١١) الرهط: يراد به هنا اللقم أي تناول الطعام: يقول: رب ليلة لا تنام أفاعيها، ويوم شديد الحرارة قضيته قانصا في إثر وحوش عادية أو غازيا في إثر فتيان، وأنت طاوي البطن.
(١٢) انظر تعليقنا على هذا الكلام عندما يكرره المؤلف بعد قليل ص ١٧١.