كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الشنفري ونسبه

صفحة 121 - الجزء 21

  وأجمل موت المرء إذ كان ميتا ... - ولا بد يوما - موته وهو صابر

  فلا يبعدن الشّنفري وسلاحه ال ... حديد وشدّ خطوه متواتر⁣(⁣١)

  إذا راع روع الموت راع وإن حمى ... حمى معه حرّ كريم مصابر⁣(⁣٢)

  رواية أخرى في مقتله

  : قال: وقال غيره: لا بل كان من أمر الشنفري وسبب أسره ومقتله أنّ الأزد قتلت الحارث بن السّائب الفهميّ، فأبوا أن يبوؤا⁣(⁣٣) بقتله، فباء بقتله رجل منهم يقال له حزام بن جابر قبل ذلك، فمات أخو الشنفري، فأنشأت أمه تبكيه، فقال الشنفري، وكان أوّل ما قاله من الشعر:

  ليس لوالدة هوءها ... ولا قولها لابنها دعدع⁣(⁣٤)

  تطيف وتحدث أحواله ... وغيرك أملك بالمصرع⁣(⁣٥)

  قال: فلما ترعرع الشنفري جعل يغير على الأزد مع فهم: فيقتل من أدرك منهم، ثم قدم منّى وبها حزام بن جابر، فقيل له: هذا قاتل أبيك⁣(⁣٦)، فشدّ عليه فقتله، ثم سبق الناس على رجليه فقال:

  قتلت حزاما مهديا بملبّد ... ببطن منّى وسط الحجيج المصوّت⁣(⁣٧)

  قال: ثم إن رجلا من الأزد أتى أسيد بن جابر، وهو أخو حزام المقتول فقال: تركت الشنفري بسوق⁣(⁣٨) حباشة، فقال أسيد بن جابر: واللَّه لئن كنت صادقا لا نرجع / حتى نأكل من جنى أليف أبيدة⁣(⁣٩)، فقعد له على الطريق هو وابنا حزام، فأحسّوه في جوف الليل وقد نزع نعلا ولبس نعلا ليخفى وطأه، فلما سمع الغلامان وطأه قالا: هذه الضّبع، فقال أسيد: ليست الضّبع، ولكنه الشنفري، ليضع كل واحد منكما نعله على مقتله، حتى إذا رأى سوادهم نكص مليّا لينظر هل يتبعه أحد، ثم رجع حتى دنا منهم، فقال الغلامان: أبصرنا، فقال عمهما: لا واللَّه ما أبصركما، ولكنه أطرد؛ لكيما تتبعاه، فليضع كلّ واحد منكما نعله على مقتله. فرماهم الشنفري فخسق⁣(⁣١٠) في النعل ولم يتحرك المرميّ، ثم رمى فانتظم ساقي أسيد، فلما رأى ذلك أقبل حتى كان بينهم، فوثبوا عليه، فأخذوه


(١) وشد معطوف على سلاحه، والمراد بالشد الحملة على الأعداء، متواتر: يتلو بعضه بعضا.

(٢) فاعل «راع» الثانية يعود على الشد أو السلاح، والمعنى إذا أفزع فزع الموت الناس أفزعهم سلاحك أو شدك، وإن حمى هذا أو ذاك حريما حمى معه كريم صابر، يعني الشنفري نفسه.

(٣) يقال: باء بقتله: أقربه.

(٤) البيت من المتقارب دخله الخرم، والهوء: الهمة والرأي، دعدع: أمر من دعدع بمعنى جرى، أي، ليس للأم أن تفكر في ثأر ابنها، أو أن تأمر أخاه بالسعي في ذلك.

(٥) «تطيف وتحدث أحواله»: لعل المراد أنها لا تفتأ تطيف بابنها، وتجدد أحوال إثارته على قتل أخيه، وقوله: «وغيرك أملك بالمصرع» التفات، أي، كفي عن هذا، فغيرك أدرى بمصارع الرجال.

(٦) تقدم أن الميت أخوه لا أبوه، وقد يكون المراد بهذا الأب الحارث بن السائب الفهمي، وعلى كل فالعبارة لا تخلو من التواء.

(٧) مهديا: مقدما الهدي في الحج، الملبد: مكان التلبيد، وكان من عاداتهم في الحج أن يدهنوا شعورهم بشيء من الصمغ لتتلبد، المصوت: الذي يجهر بالدعاء ونحوه، وفي ف، هد: «المحصب»، والمحصب: الذي يرمي الجمار، وبالفتح: مكان رميها.

(٨) سوق حباشة: سوق كانت معروفة عند العرب.

(٩) أبيدة: اسم مكان كان قريبا - على ما يبدو - من سوق حباشة، وفي هامش هد: «من صعارير أبيدة». والصعارير: حمل شجرة يكون مثل الأبهل والفلفل وغيره مما فيه صلابة.

(١٠) خسق في النعل: أصاب السهم النعل، وأخطأ الهدف.