ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  فنعم معرّس الأضياف تذحي ... رحالهم شآمية بليل(١)
  يقاتل جوعهم بمكلَّلات ... من الفرنيّ يرعبها الجميل(٢)
  قال أبو عمرو: الجميل: إلا هالة، ولا يقال لها جميل حتى تذاب إهالة كانت أو شحما، / وقال أبو عمرو:
  ولما بعث رسول اللَّه ﷺ خالد بن الوليد فهدم عزّى غطفان، وكانت ببطن نخلة، نصبها ظالم بن أسعد بن عامر بن مرة وقتل دبيّة فقال أبو خراش الهذلي يرثيه:
  ما لدبيّة منذ اليوم لم أره ... وسط الشّروب ولم يلمم ولم يطف(٣)
  لو كان حيّا لغاداهم بمترعة ... فيها الرّواويق من شيزى بني الهطف(٤)
  بنو الهطف: قوم من بني أسد يعملون الجفان.
  كأبي الرماد عظيم القدر جفنته ... حين الشتاء كحوض المنهل اللَّقف(٥)
  - المنهل: الذي إبله عطاش. واللقف: الذي يضرب الماء أسفله فيتساقط وهو ملآن -
  أمسى سقام خلاء لا أنيس به ... إلا السّباع ومرّ الريح بالغرف(٦)
  يرثي زهير بن العجوة
  : وقال الأصمعيّ وأبو عمرو في روايتهما جميعا:
  أخذ أصحاب رسول اللَّه ﷺ في يوم حنين أسارى، وكان فيهم زهير بن العجوة أخو بني عمرو بن الحارث، فمرّ به جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو مربوط في الأسرى، وكانت بينهما إحنة في الجاهلية، فضرب عنقه، فقال أبو خراش يرثيه:
  فجّع أصحابي جميل بن معمر ... بذي فجر تأوي إليه الأرامل(٧)
  / طويل نجاد السيف ليس بحيدر ... إذا قام واستنّت عليه الحمائل(٨)
  إلى بيته يأوي الغريب إذا شتا ... ومهتلك بالي الدّريسين عائل(٩)
  تروّح مقرورا وراحت عشيّة ... لها حدب تحتثّه فيوائل(١٠)
(١) المعرس: اسم مكان من عرس بالتشديد بمعنى نزل، والشآمية البليل: الريح التي تهب من جهة الشام رطبة لينة. ويريد بالمعرس منزل دبية وتذحي: تسوق وتطرد، وانظر «اللسان» (ذحا).
(٢) بمكللات: بجفان مملوءات، الفرني: نوع مخصوص من الخبز، يرعبها: يملؤها، الجميل: الإهالة، وهي الشحم، أو كل ما يؤتدم به، يقول: إن مضيفه كريم يقابل الجوع بجفان مكللة بالخبز المأدوم بالشحم أو اللحم وغيره من أنواع الإدام.
(٣) الشروب: القوم يشربون.
(٤) مترعة: مملوءة، الرواويق: جمع راووق: الخمر، وإناؤها، وما تروق به، والشيزي: الجفنة.
(٥) كأبي الرماد: عظيمة، كناية عن الكرم.
(٦) سقام - بفتح السين - اسم واد بالحجاز يبدو أن المرثي كان ينزل به.
(٧) فجع ... إلخ: بيت من الطويل دخله الخرم، والفجر - بفتح الفاء والجيم -: العطاء والكرم.
(٨) طويل نجاد السيف: كناية عن طول قامته، الحيدر: الغليظ السمين، استنت: اضطربت، يعني أنه طويل القامة، حين تهتز حمائل سيفه على جانبه لا تجد غلظا ولا سمنا. وفي ف: «تسترخي» بدل: و «إستنت».
(٩) المهتلك: الذي لا هم له إلا أن يتضيفه الناس، الدريسين: مثنى دريس، وهو الثوب الخلق.
(١٠) الحدب: شدة البرد، تحتثه: تسرع به، يوائل: يطلب النجاة، البيت وصف لمهتلك في البيت السابق، يريد أنه راح يشكو القر،