ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  تكاد يداه تسلمان رداءه ... من القرّ لمّا استقبلته الشمائل(١)
  فما بال أهل الدّار لم يتصدّعوا ... وقد خفّ منها المّوذعيّ الحلاحل(٢)
  فأقسم لو لاقيته غير موثق ... لآبك بالجزع الضّباع النّواهل(٣)
  لظلّ جميل أسوأ القوم تلَّة ... ولكنّ ظهر القرن للمرء شاغل(٤)
  فليس كعهد الدار يا أمّ مالك ... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل(٥)
  / وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى الحقّ شيئا فاستراح العواذل(٦)
  ولم أنس أياما لنا ولياليا ... بحلية إذ نلقى بها ما نحاول(٧)
  وقال أيضا يرثيه:
  أفي كلّ ممسى ليلة أنا قائل ... من الدهر لا يبعد قتيل جميل(٨)
  فما كنت أخشى أن تصيب دماءنا ... قريش ولما يقتلوا بقتيل(٩)
  فأبرح ما أمّرتم وعمرتم ... مدى الدهر حتى تقتلوا بغليل
  يستنقذ أسرى بني ليث
  : وقال أبو عمرو في خبره خاصة: أقبل أبو خراش وأخوه عروة وصهيب القرديّ في بضعة عشر رجلا من بني قرد يطلبون الصيد فبينا هم بالمجمعة من نخلة لم يرعهم إلا قوم قريب من عدتهم فظنهم القرديّون قوما من بني ذؤيبة أحد بني سعد بن بكر بن هوازن أو من بني حبيب أحد بني نصر، فعدا الهذليّون إليهم يطلبونهم وطمعوا فيهم حتى خالطوهم وأسروهم جميعا، وإذا هم قوم من بني ليث بن بكر، فيهم ابنا شعوب أسرهما صهيب القردي، فهمّ بقتلهما، وعرفهم أبو خراش فاستنقذهم جميعا من أصحابه وأطلقهم، فقال أبو خراش في ذلك يمنّ على ابني شعوب أحد بني شجع بن عامر بن ليث فعله بهما:
وراحت عليه عشية باردة تجعله يغذ السير طلبا للنجاة.
(١) هذا البيت كسابقة في وصف مهتلك، أي تكاد الرياح الباردة تمزق ثوبه، فتنبذه يداه لما خلق منه، وفي «ديوان الهذليين» «من الجود» بدل من «القر» كأنه جعل البيت وصفا للمرثي، والسياق يؤيد ما أثبتناه.
(٢) اللوذعي: الخفيف الذكي، أو الحديد الفؤاد والنفس، أو اللسن الفصيح، الحلاحل: السيد في قومه، أو الكريم الجواد، يعجب من أهل داره كيف لم تتصدع أكبادهم بعد فراقهم إياه.
(٣)
«لآبك بالجزع الضباع النواهل»
: لوردت دمك الضباع العطاش، كناية عن قتل زهير لجميل لو لم يكن موثقا، والجزع - بفتح الجيم وكسرها -: منعطف الوادي ووسطه.
(٤) تلة: صرعة، الظهر: إصابة الظهر، القرن: القرين في الشجاعة وما إليها، والمعنى أن جميلا أسوأ الناس إصابة، لأنه أهلك سيدا شجاعا موثقا لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولكن القرن ينشغل دائما بإصابة ظهر قرنه، ليتخلص منه، وفي س
«ولكن قرن المرء للظهر شاغل»
ولم نجد لها معنى، والمثبت من ف.
(٥) اسم ليس ضمير الشأن، ولعله يعني بإحاطة السلاسل بالرقاب، فتح خالد لتلك النواحي.
(٦) لعله يعني بهذا البيت دخول القوم في الإسلام، وأن الجميع دانوا بالحق، وانثنوا عن اللهو والباطل، فلم يبق مكان للعواذل.
(٧) حلية: اسم مكان.
(٨) لا يبعد: لا يهلك، وهو دعاء يقال في مقام الرثاء كثيرا، ويجوز أن يكون من البعد ضد القرب.
(٩) «ولما يقتلوا» جملة معترضة، أي ما كنت أخاف أن تقتل قريش منا قتيلا دون أن ننال منهم.