كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره

صفحة 141 - الجزء 21

  /

  عدونا عدوة لا شكّ فيها ... وخلناهم ذؤيبة أو حبيبا⁣(⁣١)

  فنغري الثائرين بهم وقلنا ... شفاء النفس أن بعثوا الحروبا⁣(⁣٢)

  منعنا من عديّ بني حنيف ... صحاب مضرّس وابنى شعوبا⁣(⁣٣)

  فأثنوا يا بني شجع علينا ... وحقّ ابني شعوب أن يثيبا

  وسائل سبرة الشّجعيّ عنا ... غداة نخالهم نجوا جنيبا⁣(⁣٤)

  بأنّ السّابق القرديّ ألقى ... عليه الثوب إذ ولَّى دبيبا⁣(⁣٥)

  ولولا ذاك أرهقه صهيب ... حسام الحدّ مطرورا خشيبا⁣(⁣٦)

  يزهد زهد الهنود

  : أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا الرياشي: قال: حدثنا الأصمعيّ قال: أقفر أبو خراش الهذليّ من الزّاد أياما، ثم مرّ بامرأة من هذيل جزلة شريفة، فأمرت له بشاة فذبحت وشويت، فلما وجد بطنه ريح الطعام قرقر⁣(⁣٧)، فضرب بيده على بطنه وقال: إنك لتقرقر لرائحة الطعام، واللَّه لأطعمت منه شيئا ثم قال: يا ربّة البيت، هل عندك شيء من صبر أو مرّ؟ قالت: تصنع به ما ذا؟ قال: أريده، فأتته منه بشيء فاقتمحه، ثم أهوى إلى بعيره فركبه، فناشدته المرأة فأبى، فقالت له: يا هذا، هل رأيت بأسا أو أنكرت شيئا؟ قال: لا واللَّه، ثم مضى وأنشأ يقول:

  /

  وإني لأثوي الجوع حتى يملَّني ... فأحيا ولم تدنس ثيابي ولا جرمي⁣(⁣٨)

  وأصطبح الماء القراح فأكتفي ... إذا الزاد أضحى للمزلَّج ذا طعم⁣(⁣٩)

  أردّ شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطَّعم⁣(⁣١٠)

  مخافة أن أحيا برغم وذلَّة ... فللموت خير من حياة على رغم

  يفتدي أخاه عروة فيلطمه

  : وأخبرني عمّي عن هارون بن محمد الزيات، عن أحمد بن الحارث، عن المدائني بنحو مما رواه الأصمعيّ.


(١) خلناهم: خلنا من أغرنا عليهم، ذؤيبة وحبيب: قبيلتان.

(٢) نغري الثائرين بهم: نسلطهم عليهم ونمكنهم منهم.

(٣) عدي بني حنيف: جماعة العادين منهم، ومضرس: اسم رجل من بني ليث المعدو عليهم، وشعوب: اسم رجل، ولكنه منع الصرف، لأنه في الأصل علم على المنية.

(٤) ضمير نخالهم يعود على المأسورين، النجو: ما أهمل من قطع الخشب، أو ما خرج من البطن، والخبيث: المبعد المنحى: يقول.

سائل الشجعي عنا غداة أسرنا قومه، وظنناهم ممن لا وزن لهم.

(٥) لعل المراد بإلقاء الثوب عليه التعرف عليه، وأنه من ليث بن بكر، لا من ذؤيبة أو حبيب.

(٦) حسام الحد: سيفا قاطع الحد، مطرورا: مسنونا، خشيبا: مسلولا، أي لولا التعرف عليه لفتك به صهيب.

(٧) قرقر بطنه: أحدث من الجوع صوتا يشبه القرقرة.

(٨) أثوي الجوع - من أثوى -: أسكنه بطني، والجرم: الجسد.

(٩) الماء القراح: الخالص، واصطبحه: شربه صباحا، المزلج: الرجل الذي لا قوة له على احتمال المكروه. يقول: أكتفي بالماء القراح إذا حمل الجشع الرجل الدنيء على الزاد اللذيذ الطعم.

(١٠) الشجاع: الثعبان: شبه أمعاءه بالثعابين لما ترمى إليه من المهالك، والطعم: الطعام، والخطاب المرأة التي استضافته.