كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره

صفحة 142 - الجزء 21

  وقال أبو عمرو:

  أسرت فهم عروة بن مرة أخا أبيّ خراش - وقال غيره: بل بنو كنانة أسرته - فلما دخلت الأشهر الحرم، مضى أبو خراش إليهم ومعه ابنه خراش، فنزل بسيّد من ساداتهم ولم يعرّفه نفسه ولكنه استضافه فأنزله وأحسن قراه، فلما تحرّم به انتسب له، وأخبره خبر أخيه، وسأله معاونته حتى يشتريه منهم، فوعده بذلك، وغدا على القوم مع ذلك الرجل، فسألهم في الأسير أن يهبوه له، فما فعلوا، فقال لهم: فبيعونيه، فقالوا: أما هذا فنعم، فلم يزل يساومهم حتى رضوا بما بذله لهم، فدفع أبو خراش إليهم ابنه خراشا رهينة، وأطلق أخاه عروة ومضيا، حتى أخذ أبو خراش فكاك أخيه، وعاد به إلى القوم حتى أعطاهم إيّاه وأخذ ابنه. فبينما أبو خراش ذات يوم في بيته إذ جاءه عبد له فقال:

  إن أخاك عروة جاءني وأخذ شاة من غنمك، فذبحها، ولطمني لمّا منعته منها، فقال له: دعه، فلما كان بعد أيام عاد، فقال له: قد أخذ أخرى، فذبحها، فقال: دعه، فلما أمسى قال له: إن أخاك اجتمع مع شرب من قومه، فلما انتشى جاء إلينا وأخذ ناقة من إبلك، لينحرها لهم فعاجله، فوثب أبو خراش إليه، فوجده قد أخذ الناقة، لينحرها، فطردها أبو خراش، فوثب أخوه عروة إليه / فلطم وجهه، وأخذ الناقة، فعقرها، وانصرف أبو خراش، فلما كان من غد لامه قومه، وقالوا له: بئست لعمر اللَّه المكافأة، كانت منك لأخيك؛ رهن ابنه فيك، وفداك بماله، ففعلت به ما فعلت، فجاء عروة يعتذر إليه، فقال أبو خراش:

  لعلَّك نافعي يا عرو يوما ... إذا جاورت من تحت القبور

  أخذت خفارتي ولطمت عيني ... وكيف تثيب بالمنّ الكبير⁣(⁣١)

  ويوم قد صبرت عليك نفسي ... لدى الأشهاد مرتدي الحرور⁣(⁣٢)

  إذا ما كان كسّ القوم روقا ... وجالت مقلتا الرجل البصير⁣(⁣٣)

  بما يممته وتركت بكري ... وما أطعمت من لحم الجزور⁣(⁣٤)

  قال معنى قوله بكري أي بكر ولدي أي أولهم.

  خبر أخويه الأسود وأبي جندب

  : وقال الأصمعيّ وأبو عبيدة وأبو عمرو وابن الأعرابي:

  كان بنو مرة عشرة: أبو خراش⁣(⁣٥)، وأبو جندب، وعروة، والأبحّ، والأسود، وأبو الأسود، وعمرو، وزهير، وجنّاد، وسفيان، وكانوا جميعا شعراء دهاة سراعا لا يدركون عدوا، فأما الأسود بن مرة فإنه كان على ماء من داءة⁣(⁣٦) وهو غلام شاب، فوردت عليه إبل / رئاب بن ناضرة بن المؤمّل من بني لحيان، ورئاب شيخ كبير، فرمى


(١) خفارتي: يعني مالي الذي أحرسه، المن: العطاء.

(٢) ويوم - بالكسر - معطوف على المن في البيت قبله، أي كيف تثيب على هذا وذاك؟ الأشهاد: جمع شهد، وشهد: جمع شاهد، ومرتدي الحرور: لابسا الحر.

(٣) الكس: الدق الشديد، روقا: زائدا، لعله يريد أن يقول: إنني صبرت نفسي عليك إذ كان دق القوم بمعنى ضربهم شديدا زائدا، وجالت العيون في الملقى، وذلك كناية عن أنه خاض الحرب من أجله.

(٤) بما يممته: بما قصدته من إحساني إليك، ويتعلق الجار والمجرور «كيف نثيب» في البيت الثاني أي كيف ثيبني بإحساني إليك ورهن ولدي من أجلك، وما أكلته من لحم جزوري بلطمك وجهي؟.

(٥) كان القياس أن يقول: أبا خراش بالنصب على البدلية من عشرة، ولكن هكذا ورد في الأصول على قدير «هم فلان وفلان».

(٦) داءة - كما في «القاموس» - موضع لهذيل وفي «المختار»: «فإنه كان - على ما مرّ - داهية».