ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  الأسود ضرع ناقة من الإبل فعقرها، فغضب رئاب، فضربه بالسيف، فقتله، وكان أشدّهم أبو جندب، فعرف خبر أخيه، فغضب غضبا شديدا، وأسف، فاجتمعت رجال هذيل إليه يكلمونه وقالوا: خذ عقل(١) أخيك، واستبق ابن عمك، فلم يزالوا به حتى قال: نعم، اجمعوا العقل، فجاؤه به في مرّة واحدة، فلما أراحوه عليه صمت فطال صمته فقالوا له: أرحنا: اقبضه منا، فقال: إني أريد أن أعتمر فاحبسوه حتى أرجع، فإن هلكت(٢) فلأمّ ما أنتم - هذه لغة هذيل يقولون: إمّ بالكسر، ولا يستعلمون الضم - وإن عشت فسوف ترون أمري، وولَّى ذاهبا نحو الحرم، فدعا عليه رجال من هذيل، وقالوا: اللهم لا تردّه، فخرج فقدم مكة فواعد كلّ خليع وفاتك في الحرم أن يأتوه يوم كذا وكذا، فيصيب بهم قومه، فخرج صادرا، حتى أخذته الذّبحة في جانب الحرم، فمات قبل أن يرجع، فكان ذلك خبره.
  خبر أخيه زهير
  : قالوا: وأما زهير بن مرة فخرج معتمرا قد جعل على جسده من لحاء(٣) الحرم، حتى ورد ذات الأقير(٤) من نعمان، فبينا هو يسقي إبلا له إذ ورد عليه قوم من ثمالة، فقتلوه، فله يقول أبو خراش، وقد انبعث يغزو ثمالة ويغير عليهم، حتى قتل منهم بأخيه أهل دارين، أي حلَّتين من ثمالة.
  خذوا ذلكم بالصّلح إني رأيتكم ... قتلتم زهيرا وهو مهد ومهمل
  / مهد أي أهدى هديا للكعبة. ومهمل: قد أهمل إبله في مراعيها.
  قتلتم فتى لا يفجر اللَّه عامدا ... ولا يجتويه جاره عام يمحل(٥)
  ولهم يقول أبو خراش:
  إنّي امرؤ أسأل كيما أعلما ... من شرّ رهط يشهدون الموسما؟
  وجدتهم ثمالة بن أسلما
  وكان أبو خراش إذا لقيهم في حروبه أوقع بهم ويقول:
  إليك أمّ ذبّان ... ما ذاك من حلب الضّان(٦)
  لكن مصاع الفتيان ... بكل لين حرّان(٧)
(١) عقل أخيه: ديته.
(٢) فلأم ما أنتم: فأنتم تنتمون إلى أصل عظيم، وأم كل شيء: أصله وعماده، والمراد بالعبارة: إن هلكنا فافعلوا ما ترون، فأنتم لا تجتمعون على ضلال.
(٣) اللحاء: قشر الشجر.
(٤) ذات الأقير: جبل بنعمان «معجم ياقوت».
(٥) لا يفجر اللَّه: لا يفجر باللَّه، على حذف الخافض، لا يجتويه، لا يكرهه. عام يمحل: سنة القحط، يصف أخاه بالاستقامة والعطف على الجار.
(٦) الأبيات من منهوك المنسرح «مستفعلن مفعولات»، أم ذبان: من الذبنة - بضم الذال - بمعنى ذبول الشفتين من العطش، كأنه يكنى بأم ذبان عن شفتيه العطشيين، يقول لشفته: إليك عن الري، لا تطلبيه في الحرب، فليس لبن الضأن يسقى فيها.
(٧) مصاع: من صاع الأقران: أتاهم من نواحيهم، بكل لين «بتخفيف الياء» حران: لعله يقصد بكل سنان لدن عطشان إلى الدماء، والمعنى - على ما يبدو لنا - ليس في الحرب ري بماء أو لبن، ولكنها مصارع الفتيان بكل سنان ظامئ إلى الدماء.