ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  خبر أخيه عروة وابنه خراش
  : قال: وأما عروة بن مرة وخراش بن أبي خراش فأخذهما بطنان من ثمالة يقال لهما بنو رزام وبنو بلال، وكانوا متجاورين، فخرج عروة بن مرة وابن أبي خراش أخيه مغيرين عليهم طمعا في أن يظفروا من أموالهم بشيء، فظفر بهما الثماليون، فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما وأبت بنو بلال إلا قتلهما، حتى كاد يكون بينهم شر، فألقى رجل من القوم ثوبه على خراش حين شغل القوم بقتل عروة، ثم قال له: انج، وانحرف القوم بعد قتلهم عروة إلى الرجل، وكانوا أسلموه إليه، فقالوا: أين خراش؟ فقال: أفلت مني، فذهب، فسعى القوم في أثره، فأعجزهم، فقال أبو خراش في ذلك يرثي أخاه عروة، ويذكر خلاص ابنه:
  /
  حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض
  فو اللَّه لا أنسى قتيلا رزيته ... بجانب قوسي ما حييت على الأرض(١)
  بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكَّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي
  ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنه قد سلّ عن ماجد محض
  ولم يك مثلوج الفؤاد مهبّلا ... أضاع الشباب في الرّبيلة والخفض(٢)
  ولكنه قد نازعته مجاوع ... على أنه ذو مرة صادق النهض(٣)
  قال: ثم إن أبا خراش وأخاه عروة(٤) استنفرا حيّا من هذيل يقال لهم بنو زليفة بن صبيح ليغزوا ثمالة بهم طالبين بثأر أخيهما، فلما دنوا من ثمالة أصاب عروة ورد حمّى، وكانت به حمّى(٥) الرّبع فجعل عروة يقول:
  أصبحت مورودا فقرّبوني ... إلى سواد الحيّ يدفنوني
  إنّ زهيرا وسطهم يدعوني ... ربّ المخاض والَّلقاح الجون(٦)
  / فلبثوا إلى أن سكنت الحمّى، ثم بيّتوا ثمالة، فوجدوهم خلوفا ليس فيهم رجال، فقتلوا من وجدوا من الرجال، وساقوا النساء والذراريّ والأموال، وجاء الصائح إلى ثمالة عشاء، فلحقوهم، وانهزم أبو خراش وأصحابه، وانقطعت بنو زليفة، فنظر الأكنع الثّماليّ - وكان مقطوع الأصبع - إلى عروة فقال: يا قوم، ذلك واللَّه عروة، وأنا واللَّه رام بنفسي عليه، حتى يموت أحدنا، وخرج يمعج(٧) نحو عروة، فصاح عروة بأبي خراش أخيه:
  أي أبا خراش، هذا واللَّه الأكنع وهو قاتلي، فقال أبو خراش: أمضه(٨)، وقعد له على طريقه، ومر به الأكنع
(١) تقدم هذا البيت والبيتان اللذان بعده في الترجمة نفسها.
(٢) مثلوج الفؤاد: كناية عن الدعة والخور، والمهبل: من يقال له: هبلتك أمك، بمعنى ثكلتك، يعني أنه لم يكن يجرؤ أحد على سبه الربيلة والخفض. معناهما واحد، هو الدعة والنعمة يصف المرثي بأنه كمن يركب الأهوال.
(٣) ف: مخامص، ذو مرة، ذو قوة، صادق النهض: شجاع إذا نهض إلى الحرب ولي.
(٤) هنا اضطراب بين في سياق الحديث، ففيما سبق أن عروة قد قتل، وهنا ما يفيد أنه ما زال حيا، فلعل هذا الكلام رواية أخرى تتعلق به، أو لعل ثمة تحريفا بوضع عروة موضع عمرو، والعجيب أن تتفق الأصول التي بين أيدينا على هذه الرواية.
(٥) حمى الربع: هي التي تصيب المريض دوما وتدعه يومين، ثم تعود إليه في اليوم الرابع.
(٦) الجون: يريد رب الإبل التي في لونها دهمة أي سواد.
(٧) يمعج: يسرع.
(٨) أمضه: اجعله يمضي خلفك.