ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  تساقيهم على رصف وظرّ ... كدابغة وقد حلم الأديم(١)
  / رصف وظرّ: ماءان، ومربع وضيم: موضعان.
  فلم نتركهم قصدا ولكن ... فرقت من المصالت كالنّجوم(٢)
  رأيتهم فوارس غير عزل ... إذا شرق المقاتل بالكلوم(٣)
  فأجابه سارية، فقال:
  لعلك يا أبحّ حسبت أنّي ... قتلت الأسود الحسن الكريما
  أخذتم عقله وتركتموه ... يسوق الظَّمي وسط بني تميما(٤)
  عيّرهم بأخذ دية الأسود بن مرة أخيهم، وأنهم لم يدركوا بثأره، وبنو تميم من هذيل.
  قالوا: وأما جنادة وسفيان فماتا، وقتل عمرو، ولم يسمّ قاتله. قالوا: وأمهم جميعا لبنى إلا سفيان بن مرة، فإن أمه أم عمرو القرديّة، وكان أيسر القوم وأكثرهم مالا.
  وقال أبو عمرو: وغزا أبو خراش فهما(٥)، فأصاب منهم عجوزا، وأتى بها منزل قومه، فدفعها إلى شيخ منهم، وقال: احتفظ بها حتى آتيك، وانطلق لحاجته، فأدخلته بيتا صغيرا، وأغلقت عليه، وانطلقت، فجاء أبو خراش، وقد ذهبت، فقال:
  سدّت عليه دولجا يمّمت ... بني فالج بالليث أهل الخزائم(٦)
  / الدولج: بيت صغير يكون للبهم، والليث: ماء لهم، والخزائم البقر واحدتها خزومة.
  وقالت له: دنّخ مكانك إنني ... سألقاك إن وافيت أهل المواسم
  يقال: دنّخ الرجل ودمّخ إذا أكبّ على وجهه ويديه.
  وقال أبو عمرو: دخلت أميمة امرأة عروة بن مرة على أبي خراش وهو يلاعب ابنه فقالت له: يا أبا خراش تناسيت عروة، وتركت الطلب بثأرة، ولهوت مع ابنك، أما واللَّه لو كنت المقتول ما غفل عنك، ولطلب قاتلك حتى يقتله، فبكى أبو خراش، وأنشأ يقول:
  لعمري لقد راعت أميمة طلعتي ... وإنّ ثوائي عندها لقليل(٧)
(١) المراد بالمساقاة، المسالمة والمصافاة، الأديم: الجلد، وحلم: أصابته الحلمة، وهي دودة تأكله، فإذا دبغ وهى موضع الأكل، والمراد أنك تصافيهم وتساقيهم على غش خشية بأسهم والبيت في «اللسان» (رصف).
(٢) فرقت: خفت، المصالت: الشجعان.
(٣) عزل: جمع أعزل، الكلوم: الجراح، يريد أنك خشيت بأسهم، لأنهم يجيدون استعمال السلاح في الحروب التي يشرق فيها المحارب بالدم.
(٤) عقله: ديته، الظمي: جمع ظمياء، وهي الناقة القليلة لحم الفخذين، كناية عن الهزال، يقول له على سبيل التهكم: لست أنا قاتل أخيك الأسود ذي الحسب والنسب، ولكن ابحث عن قاتله في بني تميم الذين تركتم لهم دمه، واكتفيتم منهم بديته من الإبل العجاف.
(٥) في ف «تميما» بدل «فهما».
(٦) ضمير عليه يعود على الرجل الذي استودع العجوز، وفاعل سدت ضمير العجوز.
(٧) طلعتى فاعل راعت، وأميمة مفعول، وجملة المصراع الثاني حالية، يقول: ظنت أنني نائم عن ثأر أخي، ولم تعلم أنني أضمر ذلك، ولن يطول مقامي معها.