كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره

صفحة 148 - الجزء 21

  وآخر الظَّعن قال: واللَّه لقد حبس أهلي حابس، أبصر يا فلان، حتى أستأنس أهلي وإبلي، وطرح دلوه على الحوض.

  ثم ولَّى، حتى أدرك القوم بحيث وعدهم، فقال أبو جندب في ذلك:

  أقول لأمّ زنباع أقيمي ... صدور العيس شطر بني تميم⁣(⁣١)

  وغرّبت الدّعاء وأين منّي ... أناس بين مرّ وذي يدوم⁣(⁣٢)

  غربت الدّعاء: دعوت من بعيد.

  وحيّ بالمناقب قد حموها ... لدى قرّان حتى بطن ضيم⁣(⁣٣)

  وأحياء لدى سعد بن بكر ... بأملاح فظاهرة الأديم⁣(⁣٤)

  أولئك معشري وهم أرومي ... وبعض القوم ليس بذي أروم⁣(⁣٥)

  هنالك لو دعوت أتاك منهم ... رجال مثل أرمية الحميم

  الأرمية: السحاب الشديد الوقع، واحدها رميّ، والحميم: مطر القيظ.

  أقلّ اللَّه خيرهم ألمّا ... يدعهم بعض شرّهم القديم⁣(⁣٦)

  / ألمّا يسلم الجيران منهم ... وقد سال الفجاج من الغميم⁣(⁣٧)

  غداة كأنّ جنّاد بن لبنى ... به نضخ العبير من الكلوم⁣(⁣٨)

  دعا حولي نفاثة ثم قالوا: ... لعلك لست بالثّأر المنيم

  المنيم: الذي إذا أدرك استراح أهله وناموا.

  نعوا من قتّلت لحيان منهم ... ومن يغترّ بالحرب القروم⁣(⁣٩)

  قالوا جميعا: وكان أبو جندب ذا شرّ وبأس، وكان قومه يسمونه المشئوم، فاشتكى شكوى شديدة، وكان له جار من خزاعة يقال له حاطم، فوقعت به بنو لحيان، فقتلوه قبل أن يستبلّ⁣(⁣١٠) أبو جندب من مرضه، واستاقوا أمواله، وقتلوا امرأته، وقد كان أبو جندب كلَّم قومه، فجمعوا لجاره غنما، فلما أفاق أبو جندب من مرضه خرج من أهله، حتى قدم مكة، ثم جاء يمشي، حتى استلم الركن، وقد شق ثوبه عن استه، فعرف الناس أنه يريد شرا، فجعل يصيح ويقول:


(١) العيس: الإبل، يريد التوجه إلى بني تميم.

(٢) «مر» وذو يدوم: مكانان بهما آله وأنصاره.

(٣ - ٤) المناقب، قران، بطن ضيم، وأملاح، وظاهرة الأديم: أمكنة أيضا بها آله وأنصاره.

(٥) الأروم: أصل الشجرة، واستعير لأصل الإنسان وحسبه.

(٦) أقل اللَّه ... الخ: دعاء عليهم.

(٧) الغميم: نوع مخصوص من اللبن، أو من النبات، ولعل المراد أإلى الآن يسيؤون جيرانهم وقد كثر خيرهم، وامتلأت فجاجهم بالنبات، أو باللبن.

(٨) العبير: الكثير، يقول: يسلم الجيران منهم غداة اعتدوا على أخيه جنادة، فجاء والدم يسيل من جراحه الكثيرة.

(٩) نعوا ... الخ. يشير إلى حادثة ستأتي، القروم: من القرم، وهو شدة شهوة أكل اللحم، يصف الحرب بالسعار، ويحذرهم من ويلاتها وفي ف: «العدوم» بدل «القروم».

(١٠) يستبل: يتم شفاؤه.