ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  مصرعه
  : أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، قال: حدثنا عمر بن شبة: قال: حدثنا الأصمعيّ. وأخبرني حبيب بن نصر، قال: حدثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدثنا عليّ بن الصبّاح، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه.
  وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا أبو غسّان دماذ: قال أبو عبيدة:
  وأخبرني أيضا هاشم، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ، عن عمه، وذكره أبو سعيد السكري في رواية الأخفش عنه عن أصحابه، قالوا جميعا:
  أسلم أبو خراش فحسن إسلامه، ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجّاجا، فنزلوا بأبي خراش والماء منهم غير بعيد، فقال: يا بني عمي، ما أمسى عندنا ماء، ولكن هذه شاة وبرمة وقربة، فردوا الماء، وكلوا شاتكم، ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء، حتى نأخذها، قالوا: واللَّه ما نحن بسائرين في ليلتنا هذه، وما نحن ببارحين حيث أمسينا، فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته، وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى، ثم أقبل / صادرا، فنهشته حية قبل أن يصل إليهم، فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء، وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم بما أصابه، فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه، وقال وهو يعالج الموت:
  لعمرك والمنايا غالبات ... على الإنسان تطلع كلّ نجد
  لقد أهلكت حيّة بطن أنف ... على الأصحاب ساقا ذات فقد(١)
  وقال أيضا:
  لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الأصحاب ساقا ذات فضل
  فما تركت عدوّا بين بصرى ... إلى صنعاء يطلبه بذحل(٢)
  قال: فبلغ عمر بن الخطاب ¥ خبره، فغضب غضبا شديدا، وقال: لولا أن تكون سبّة لأمرت ألَّا يضاف يمان أبدا، ولكتبت بذلك إلى الآفاق. إن الرجل ليضيف أحدهم، فيبذل مجهوده فيسخطه(٣) ولا يقبله منه، ويطالبه بما لا يقدر عليه، كأنه يطالبه بدين، أو يتعنّته ليفضحه، فهو يكلفه التكاليف، حتى أهلك ذلك من فعلهم رجلا مسلما، وقتله، ثم كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش فيغرّمهم ديته، ويؤدبهم بعد ذلك بعقوبة تمسهم جزاء لأعمالهم.
  صوت
  تهيم بها لا الدهر فان ولا المنى ... سواها ولا ينسيك نأي ولا شغل(٤)
  كبيضة أدحيّ بميث خميلة ... يحفّفها جون بجؤجؤة صعل(٥)
  الشعر لعبد الرحمن بن مسافع بن دارة، والغناء لابن محرز ثقيل أول بالوسطى، عن ابن المكي.
(١) أنف: مكان، وحية منادى محذوف منه حرف النداء، ويريد بقوله: «ذات فقد» أن ساقه عداءة يترك فقدها فراغا لا يسد.
(٢) الذحل: الثأر، وليس المراد أنه لم يتر أحدا بين بصرى وصنعاء، فيطالبه بالترة، بل المراد أنه قضى على الموتور والواتر معا، حتى لم يعد هناك من يطالبه بثأر، أو المراد أنه أخذ كل ثأر، فلم يبق من يطالبه أبو خراش بثأر.
(٣) بسخطه من سخط الثلاثي: سخط عليه.
(٤) ولا المنى سواها: لا متمنى لك إلَّا هي.
(٥) الأدحي: مبيض النعام. وميث خميلة: خميلة ممطورة، والجون: الأسود أو الأبيض (ضد). والجؤجؤ: عظم الصدر، والصعل:
الطويل: يشبه حبيبته ببيضة نعامة تحضنها أمها في خميلة مخضلة.