كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار هدبة بن خشرم ونسبه

صفحة 169 - الجزء 21

  وتعلو القوائم القوائما

  قال: فشتمه زيادة، وشتمه هدبة، وتسابّا طويلا، فصاح بهما القوم: اركبا، لا حملكما اللَّه. فإنا قوم حجّاج، وخشوا أن يقع بينهما شر فوعظوهما، حتى أمسك كل واحد منهما على ما في نفسه، وهدبة أشدهما حنقا، لأنه رأى أن زيادة قد ضامه، إذ رجز بأخته وهي تسمع قوله، ورجز هو بأخته، وهي غائبة لا تسمع قوله، فمضيا ولم يتحاورا بكلمة، حتى قضيا حجّهما، ورجعا إلى عشيرتيهما.

  يرتجزون بعمه زفر

  : قال اليزيديّ خاصة في خبره:

  ثم التقى نفر من بني عامر، من رهط هدبة، فيهم أبو جبر، وهو رئيسهم الذي لا يعصونه، وخشرم أبو هدبة، وزفر عم هدبة، وهو الذي بعث الشّر، وحجّاج بن / سلامة، وهو أبو ناشب، ونفر من بني رفاش رهط زيادة، وفيهم زيادة بن زيد، وإخوته: عبد الرحمن ونفّاع وأدرع بواد من أودية حرّتهم، فكان بينهم كلام، فغضب ابن الغسّانية، وهو أدرع، وكان زفر عم هدبة يعزى إلى رجل من بني رقاش، فقام له أدرع فرجز به فقال:

  أدّوا إلينا زفرا ... نعرف منه النّظرا

  وعينه والأثرا⁣(⁣١)

  قال: فغضب رهط هدبة، وادّعوا حدّا على بني رقاش، فتداعوا إلى السلطان، ثم اصطلحوا على أن يدفع إليهم أدرع، فيخلو به نفر منهم، فما رأوه عليه أمضوه، فلما خلوا به ضربوه الحدّ ضربا مبرّحا، فراح بنو رقاش وقد أضمروا الحرب وغضبوا، فقال عبد الرحمن بن زيد:

  ألا أبلغ أبا جبر رسولا ... فما بيني وبينكم عتاب

  ألم تعلم بأن القوم راحوا ... عشية فارقوك وهم غضاب

  فأجابه الحجاج بن سلامة فقال:

  إن كان ما لاقى ابن كنعاء مرغما ... رقاش فزاد اللَّه رغما سبالها⁣(⁣٢)

  منعنا أخانا إذا ضربنا أخاكم ... وتلك من الأعداء لا مثل مالها⁣(⁣٣)

  هو وزيادة يتهاديان الأشعار

  : قال اليزيدي في خبره: وجعل هدبة وزيادة يتهاديان الأشعار، ويتفاخران، ويطلب / كلّ واحد منهما العلوّ على صاحبه في شعره، وذكر أشعارا كثيرة، فذكرت بعضها، وأتيت بمختار ما فيه، فمن ذلك قول زيادة في قصيدة أولها:

  أراك خليلا قد عزمت التّجنبا ... وقطَّعت حاجات الفؤاد فأصحبا⁣(⁣٤)


(١) الشعر من مجزوء الرجز، وهو من قبيل التعريض.

(٢) البيت من الطويل دخله الخرم، وابن كنعاء هو أدرع، السبال: طرف الشارب، أو مقدم اللحية، يقول: إذا كان ما لاقاه أدرع أذل رقاش فزادها اللَّه ذلا.

(٣) لا مثل مالها: لا مثل الذل الذي تنطوي عليه.

(٤) أصحب الفؤاد: أصابه خبل.