كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار هدبة بن خشرم ونسبه

صفحة 176 - الجزء 21

  لما أخرج هدبة من السجن ليقتل، جعل الناس يتعرّضون له ويخبرون صبره، ويستنشدونه، فأدركه عبد الرحمن بن حسّان⁣(⁣١)، فقال له: يا هدبة، أتأمرني أن أتزوج هذه بعدك، يعني زوجته، وهي تمشي خلفه فقال: نعم، إن كنت من شرطها، قال: وما شرطها؟ قال: قد قلت في ذلك:

  فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا⁣(⁣٢)

  وكوني حبيسا أو لأروع ماجد ... إذا ضنّ أعشاش الرّجال تبرّعا⁣(⁣٣)

  فمالت زوجته إلى جزّار وأخذت شفرته، فجدعت بها أنفها، وجاءته تدمى / مجدوعة فقالت: أتخاف أن يكون بعد هذا نكاح؟ قال: فرسف في قيوده وقال: الآن طاب الموت.

  وقال النوفليّ عن أبيه:

  إنها فعلت ذلك بحضرة مروان وقالت له: إن لهدبة عندي وديعة، فأمهله حتى آتية بها، قال: أسرعي، فإن الناس قد كثروا، وكان جلس لهم بارزا عن داره⁣(⁣٤)، فمضت إلى السّوق، فانتهت إلى قصّاب وقالت: أعطني شفرتك، وخذ هذين الدرهمين وأنا أردّها عليك، ففعل، فقربت من حائط، وأرسلت ملحفتها على وجهها، ثم جدعت أنفها من أصله، وقطعت شفتيها، ثم ردّت الشفرة، وأقبلت حتى دخلت بين الناس وقالت: يا هدبة، أتراني متزوجة بعد ما ترى؟ قال: لا، الآن طابت نفسي بعد بالموت، ثم خرج يرسف في قيوده، فإذا هو بأبويه يتوقعان الثّكل، فهما بسوء حال، فأقبل عليهما وقال:

  أبلياني اليوم صبرا منكما ... إنّ حزنا إن بدا بادئ شرّ

  لا أراني اليوم إلا ميّتا ... إنّ بعد الموت دار المستقرّ⁣(⁣٥)

  اصبرا اليوم فإني صابر ... كلّ حيّ لقضاء وقدر

  زوجته تنكث بعهدها

  : قال النوفليّ: فحدثني أبي قال:

  حدثني رجل من عذرة عن أبيه قال: إني لببلادنا يوما في بعض المياه، فإذا أنا بامرأة تمشي أمامي وهي مدبرة، ولها خلق عجيب من عجز وهيئة، وتمام جسم، وكمال قامه، فإذا صبيّان قد اكتنفاها يمشيان، قد ترعرعا، فتقدّمتها، والتفتّ إليها، فإذا هي أقبح منظر، وإذا هي مجدوعة الأنف، مقطوعة الشفتين، فسألت عنها فقيل لي:

  هذه امرأة هدبة، تزوّجت⁣(⁣٦) بعده رجلا، فأولدها هذين الصّبيّين.

  أخو زيادة يرفض كل شفاعة ودية

  :


(١) ضبطنا حسان بالفتح على أنه مأخوذ من الحس، فهو ممنوع من الصرف.

(٢) في هد

«أغم القفا والرأس»

(٣) أعشاش الرجال: من عش معروفة بمعنى قلله، يقول لها: كوني حبيس خدرك أو تزوجي ماجدا.

(٤) ب: «بإزاء داره».

(٥) في «المختار»:

«لا أرى ذا اليوم إلا هينا»

(٦) وهكذا صدق الشاعر حين يقول:

وإن حلفت لا تنقض الدهر عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين