أخبار هدبة بن خشرم ونسبه
  قال ابن قتيبة في حديثه:
  فسأل سعيد بن العاص أخا زيادة أن يقبل الدّية عنه، قال: أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب أعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جدّاء(١) ولا ذات داء، فقال له: واللَّه لو نقبت لي قبّتك هذه، ثم ملأتها لي ذهبا، ما رضيت بها من دم هذا الأجدع، فلم يزل سعيد يسأله، ويعرض عليه فيأبى، ثم قال له: واللَّه لو أردت قبول الدية لمنعني قوله:
  لنجدعنّ بأيدينا أنوفكم ... ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
  فدفعه حينئذ ليقتله بأخيه.
  يعرض بحبّى وهو في طريقه إلى الموت
  : قال حمّاد: وقرأت على أبي عن مصعب بن عبد اللَّه الزبيريّ قال:
  ومرّ هدبة بحبّى، فقالت له: كنت أعدّك في الفتيان، وقد زهدت فيك اليوم، لأني لا أنكر أن يصبر الرّجال على الموت، لكن كيف تصبر عن هذه(٢)؟ فقال: أما واللَّه إنّ حبّي لها لشديد، وإن شئت لأصفنّ لك ذلك، ووقف الناس معه، فقال:
  وجدت بها ما لم تجد أمّ واحد ... ولا وجد حبّى بابن أمّ كلاب(٣)
  رأته طويل السّاعدين شمر دلا ... كما تشتهي من قوة وشباب(٤)
  فانقمعت(٥) داخلة إلى بيتها فأغلقت الباب دونه. قالوا: فدفع إلى أخي زيادة ليقتله، قال: فاستأذن في أن يصلَّي ركعتين، فأذن له، فصلاهما وخفّف، ثم التفت إلى من حضر فقال: لولا أن يظنّ بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجا إلى إطالتهما، ثم قال / لأهله: إنه بلغني أنّ القتيل يعقل ساعة بعد سقوط رأسه، فإن عقلت فإني قابض رجلي وباسطها ثلاثا، ففعل ذلك حين قتل، وقال قبل أن يقتل:
  إن تقتلوني في الحديد فإني ... قتلت أخاكم مطلقا لم يقيّد(٦)
  فقال عبد الرحمن أخو زيادة: واللَّه لا قتلته إلا مطلقا من وثاقه، فأطلق له، فقام إليه وهز السيف ثم قال:
  قد علمت نفسي وأنت تعلمه ... لأقتلنّ اليوم من لا أرحمه
  ثم قتله.
  فقال حمّاد في روايته:
  ويقال: إن الذي تولَّى قتله ابنه المسور، دفع إليه عمّه السيف وقال له: قم فاقتل قاتل أبيك، فقام، فضربه ضربتين قتله فيهما.
(١) الجداء: القليلة اللبن من مرض أصابها.
(٢) هذه: إشارة إلى زوجته.
(٣) يعرض بحبي وبحبها لرجل افتتنت به.
(٤) الشمردل: الجميل الخلق، وفي ف، هج:
«كما اشترطت»
بدل
«كما تشتهي»
(٥) فانقمعت: ولت هاربة.
(٦) البيت من الطويل دخله الخرم.