كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 183 - الجزء 21

  بناقتين عشراوين وجمل، فهل لي في ذلك من أجر يا رسول اللَّه؟ فقال #: هذا باب من البر، ولك أجره إذ منّ اللَّه عليك بالإسلام، قال عباد: ومصداق ذلك قول الفرزدق:

  وجدّي الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يوأد⁣(⁣١)

  أخبرني محمد بن يحيى، عن الغلَّابيّ، عن العباس بن بكار، عن أبي بكر الهذليّ قال:

  وفد صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق على رسول اللَّه في وفد من تميم، وكان صعصعة قد منع الوئيد في الجاهلية، فلم يدع تميما تئد، وهو يقدر على ذلك، فجاء الإسلام وقد / فدى أربعمائة جارية، فقال للنبي :

  أوصني، فقال: أوصيك بأمك وأبيك وأخيك وأختك وإمائك، قال: زدني، قال: احفظ ما بين لحييك⁣(⁣٢)، وما بين رجليك.

  / ثم قال له #: ما شيء بلغني عنك فعلته؟ قال: يا رسول اللَّه رأيت الناس يموجون على غير وجه، ولم أدر أين الوجه، غير أني علمت أنهم ليسوا عليه، ورأيتهم يئدون بناتهم، فعلمت أنّ ربّهم لم يأمرهم بذلك، فلم أتركهم يئدون، وفديت من قدرت عليه.

  وروى أبو عبيدة أنه قال للنّبيّ : إني حملت حمالات في الجاهلية والإسلام، وعليّ منها ألف بعير، فأديت من ذلك سبعمائة، فقال له: إن الإسلام أمر بالوفاء، ونهى عن الغدر، فقال: حسبي حسبي، ووفّى بها.

  وروي أنه إنما قال هذا القول لعمر بن الخطاب، وقد وفد إليه في خلافته.

  وكان صعصعة شاعرا وهو الذي يقول: أنشدنيه محمد بن يحيى له:

  إذا المرء عادى من يودّك صدره ... وكان لمن عاداك خدنا مصافيا

  فلا تسألن عما لديه فإنّه ... هو الداء لا يخفي بذلك خافيا⁣(⁣٣)

  أبوه يعطي دون أن يسأل

  : أخبرني محمد بن يحيى، عن محمد بن زكريا؛ عن عبد اللَّه بن الضحاك، عن الهيثم بن عديّ، عن عوانة قال:

  تراهن نفر من كلب ثلاثة على أن يختاروا من تميم وبكر نفرا ليسائلوهم، فأيّهم أعطى، ولم يسألهم عن نسبهم من هم؟ فهو أفضلهم، فاختار كل رجل منهم رجلا؛ والذين اختيروا عمير بن السليك⁣(⁣٤)، بن قيس بن مسعود الشيبانيّ، وطلبة بن قيس بن عاصم المنقريّ، وغالب بن صعصعة المجاشعيّ أبو الفرزدق، فأتوا ابن السّليك فسألوه مائة ناقة، فقال: من أنتم؟ فانصرفوا عنه.

  ثم أتوا طلبة بن قيس، فقال لهم مثل قول الشيبانيّ، فأتوا غالبا، فسألوه، / فأعطاهم مائة ناقة وراعيها، ولم يمألهم من هم فساروا بها ليلة، ثم ردّوها، وأخذ صاحب غالب الرّهن، وفي ذلك يقول الفرزدق:


(١) في هج «والمختار»: «الوائدين» بدل الوائدات والمعنى والوزن لا يتغير.

(٢) يعني لسانك.

(٣) يريد أن يقول: إن صديق عدوك وعدو صديقك عدو لك.

(٤) في هج: «عمر بن السلوك» وفي هد: عمر بن السليل.